والأرض من لم يولد مرتين) ، وقال أبو العباس المرسي : أنا والله ممن ولد مرتين ، الإيلاء الأول إيلاء الطبيعة ، والإيلاء الثاني إيلاء الروح في سماء المعارف.
٥٦ ـ (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦))
[طه : ٥٦]
لا يؤمن الفكر المكفن بالأنا مهما رأى من آيات ، فهو أصم أبكم أعمى عن رؤية الحقيقة ، ولقد كان النبي يأتي بالمعجزات فيؤمن له المؤمنون ويكذب به وبالمعجزات الكافرون.
٥٧ ، ٧٠ ـ (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠))
[طه : ٥٧ ، ٧٠]
سمى فرعون النفس الأمارة آيات الله التي أتى بها موسى سحرا علما أن موسى ما أتى بالسحر الذي أتى به السحرة بل كشف عن حقيقة القدرة الإلهية التي سر السحر ، والتي هي السحر الحقيقي لأنها الفاعلة والموجودة والمحركة ، فالوجود وما فيه من آيات هو السحر بمعنى كونه معجزة بحد ذاته ، ولهذا رفض كثير من الفلاسفة اعتماد المعجزة لإثبات وجود الله مؤمنين بأن ما في الوجود من آيات يكفي للدلالة على الله.
أما الحوار الذي دار بين فرعون وموسى من جهة وفرعون والسحرة من جهة ثانية ، وبين السحرة وموسى من جهة ثالثة فالقصد منه بيان دور الخواطر التي تحتل ساحة الفكر والنفس ، والتي تصول فيه وتجول ، فهي فيه كالساحر الذي يأتي بالمعجزات ، ولقد وصفت الخواطر بالكيد ، وقال سبحانه فيها إنها : (صَفًّا) بل هي صفوف ، وتحتل الخواطر رأس الإنسان كما يحتل المحتل البلاد المحتلة فلا يبقى لأهلها دور ولا قيمة ولا وزن ، والمشكلة أن الإنسان لا يعي الدور الذي تلعبه خواطره في نفسه ، ولا مدى سلطانها عليه ، ويظن أن خواطره منه ومن صنعه ، في حين نجد أن للمجنون هذيانه ، وللمريض هواجسه ومخاوفه ، وللمريض نفسيا شكوكه وريبه ، ومع هذا فهي تصنف جميعا في باب الخواطر ، وما يقدم الإنسان على عمل إلا