بدفع من خاطره ، فالإنسان أسير هذا السجان الجلاد الخفي الذي أطلق الله عليه اسم الوسوسة ، وسماه جنا باعتبار معنى جنّ ستر ، أي أن الخاطر مستور.
وما فعله موسى ليس من فعله بل من فعل الله ، وما جوهر الكشوف إلا كشف غطاء الخواطر فإذا هي دود تسعى في رأس الإنسان مفسدة ، ولو لا الرحمة الإلهية التي يختص بها عباده المرحومين ما نجا من نمرود الخواطر أحد حتى ولا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي قال : (إنه ليغان على قلبي سبعين مرة في اليوم ، وإني لأستغفر الله).
وما كان في يمين موسى فألقاه هو نتيجة علم الكشف الذي يرفع الله فيه الحجاب عن الخواطر فإذا هي حبال وعصي لا غير ، وللوصف لطيفة ، ذلك أن الحبل وسيلة للاتصال ، وكذلك العصا وسيلة لتحقيق الفعل ، والمعنيان يفيدان كون الخواطر فعالة ...
في حين يثبت الكشف أن الله هو الفاعل ، وهو القاهر فوق الخواطر شقيها وسعيدها ، فجورها وتقواها ، وذلك بواسطة اسمه الحي الذي رمز إليه في القصة بالحية ، والحية النفس التي شطرها الله من ذاته ، وجعلها على صورته لتكون وسيلة لممارسة الدور الإلهي في فتق الإمكانات وإخراج القوى ، قال البسطامي : خرجت من بايزيديتي أي من اسمه أبي يزيد كما تخرج الحية من جلدها ، ونظرت فإذا العاشق والمعشوق والعشق واحد ، لأن الكل واحد في عالم التوحيد.
وما يكشفه الكشف لا يتحقق به إلا المكاشف وحده ، ثم يصدق به الأمثل فالأمثل ، وهذا ما حدث للنبي بعد الإسراء والمعراج ، ثم عاد ليحدث الناس بما رآه وعاشه ، فكذبه من كذبه ، وصدقه من صدقه ، وفي مقدمتهم صاحبه أبو بكر.
٧١ ، ٧٢ ـ (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢))
[طه : ٧١ ، ٧٢]
ثبت كشفا أن الوسوسة تظل تمارس دورها حتى بعد الكشف ، ودليل هذا أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومنها قوله : (إنه ليغان على قلبي) ، وهذا ما أشارت إليه الآية التي أظهرت أن فعل النفس الأمارة لا ينتهي حتى وإن آمن القلب ، وإلى هذا أشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : (أو ما يؤمنني أن القلب مثل ريشة في الفلاة تقلبها الريح كيف تشاء).
وفي الآية تظل الوسوسة تحاول تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، ولقوله : (خِلافٍ)