أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩))
[طه : ٩٩ ، ١٢٩]
قضية علم النبي للتاريخ حيرت العلماء والنقاد المتخصصين ، فكل قال كلمته ، ففريق آمنوا بأن النبي اطلع الغيب ، وعلم أخبار الأولين كشفا وكما أوحاها إليه الروح الكلي ، وفريق قالوا : إن النبي سمع أخبار الأمم الماضية خلال رحلاته التجارية فقال ما قال ، وتبقى هناك مسألة غامضة ، فالنبي ذكر ما ذكر عن الأمم الماضية ، ولكنه لم يكن المؤرخ فقط لأخبار تلك الأمم ، بل كان ناقدا لتلك الأخبار ... فهو القائل إن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ، وهو القائل إن مريم حملت بالمسيح من غير زوج بعد أن اتهم بعض اليهود مريم بالزنى ، وهو القائل إن المسيح بشر يوحى إليه ، وإنه ليس الله أو ابن الله ردا على القائلين بألوهية المسيح ... وهو القائل إن التوحيد ديانة قديمة قدم التاريخ ، وذكر مثلا قصة ذي القرنين وهو الاسكندر الأكبر ، فقال إنه موحد كبير ، كما ذكر قصة العبد الصالح ، وهو الخضر الذي كان في جيش الاسكندر ... وذكر أن الروم غلبت في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون فغلبت الروم الفرس بعد بضع سنين ، وكان ذلك مصداقا لما تنبأ به القرآن ، فالنبي إن كان مؤلف القرآن فلقد وقف مواقف لا يستطيع أي مؤرخ آخر أن يقفها ، ولئن فعل فالأحداث ستكذبه عاجلا أم آجلا ، وقيل : إنه لما نزلت سورة المسد التي حكمت على أبي لهب بأنه سيموت كافرا ، قيل : لو آمن أبو لهب قيل موته وأعلن إسلامه لكان إسلامه تكذيبا لما قاله القرآن ، وما ورد في القرآن من أنباء علمية وذلك منذ أربعة عشر قرنا ، أيدتها العلوم الحديثة ولم تكذب منها شيئا ، علما أن كثيرا مما جاء في الكتب الدينية الأخرى من أخبار فندتها العلوم الحديثة ، وأثبتت خطلها.
وبعد ، فما حقيقة الأنباء التي قصها الله على نبيه ووردت في الكتاب الحكيم؟