باعتبار الله خالق الروح الكلي ، وكون الروح الكلي صاحب العلوم الإلهية ، فإن كل ما حدث في العالم ، أو يحدث ، أو سيحدث ، فهو معلوم للروح الكلي لأنه هو صاحب العلم والأمر أصلا.
وعند ما قال سبحانه إن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن كان حنيفا مسلما ، جاءت المكتشفات الأثرية الحديثة ومنها ما ذكر عن مكتشفات إيبلا في شمال سورية ، جاءت تثبت قوله تعالى في إبراهيم ، يقول الدكتور عفيف بهنسي في حوار أجراه مع الفيلسوف الفرنسي رجا جارودي : لقد كان لقاء علميا ، شعرت خلاله بإخلاص الرجل للعلم الذي يدحض الوهم ، واعتماده المنطق الذي تسنده المعرفة ، وابتدأ جارودي الحديث متسائلا : لقد تبين لي أنكم لا تعتمدون في أبحاثكم التاريخية على التوراة ، وكنت أعتقد أن القصص التوراتي هو الدليل الأول للأثريين وأن موضع التراث الفلسطيني يبتدئ من التوراة؟ قلت : إن صيانة التراث الفلسطيني تبتدئ من نقطة أساسية هي التعرف على حقيقة تاريخ الحضارة في فلسطين ، لقد كان المصدر الوحيد لمعرفة التاريخ هو التوراة الذي اعتبر حقيقة مقدسة استغلته الصهيونية العالمية للادعاء بحق وهمي بأرض أطلق عليها بزعم وحيد الطرف أرض الميعاد ، واستمر كتاب العهد القديم مصدرا تاريخيا لفلسطين ، وبأصولها حتى عهد قريب ، حيث توسع نطاق المكتشفات الأثرية ، وتبين من الكتابات القديمة المسمارية والهير وغليفية أن التوراة لم يتضمن الأحداث الضخمة والحضارات والحواضر الكبيرة بل اقتصر على أحداث محدودة ، واستند في تفسير التكوين على أفكار قديمة ، وأن بعض الأحداث الفاصلة في تاريخ اليهودية ليس لها أي مؤيد في المكتشفات الأثرية ، بل إنها أثر الوهم أو من التمني والتطلع الذي استحوذ على الأحبار اليهود في المنفى أن يكتبوا الكتاب بأيديهم ويقولوا هذا من عند الله ، قال جارودي : اعذرني لقد قرأت قليلا عن مكتشفات إيبلا ، لأن قراءتي كانت صحفية ، فإنني لم أجد منها رؤية واضحة ، قلت : إن أعظم المكتشفات التي تمت في هذا القرن ، كان اكتشاف إيبلا في شمال سورية ، والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد ، وفيها اكتشفت المكتبة الملكية التي تحوي أكثر من خمسة عشر ألف رقيم لوح طيني مكتوب ، ومن هذه الألواح عرفنا أشياء كثيرة تتعلق بمنطقة بلاد الشام وخاصة فلسطين ، وسأعرض بعضا منها بإيجاز ... أولا إن الشعب الذي كان يعيش في إيبلا هو شعب يتكلم اللغة العربية الأم التي تختلف قليلا عن لغة أكاد في بلاد الرافدين ، وتقترب من لغة كنعان في الساحل السوري وفلسطين ، وإن جميع من يتكلم هذه اللغات المتقاربة هم أمة واحدة تختلف عن غيرها من الأمم التي تتكلم لغات أخرى مثل السومرية والحورية والحثية ، ثانيا إن هذا الشعب كان يؤمن بنفس الآلهة والعقائد ، ويمارس