الطقوس والتقاليد التي كانت شائعة في هذه المنطقة من الرافدين إلى سينا ... بل إن وجود أسماء مثل إسماعيل (يسمع إيل) و (ميكائيل) من ـ ك ـ إيل) وغيرها ، دليل على أن (إيل) الذي عرفناه الرب الأعلى للناس جميعا ، كان معبودا منذ الألف الثالث قبل الميلاد ، بمعنى أن التوحيد كان موجودا منذ بداية التاريخ ، وانتقل عن طريق العموريين الهكسوس إلى مصر لكي يصبح عقيدة أخناتون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، وما أحب أن ألفت نظر السيد رجا جارودي أن (إيل) نفسه كان إله كنعان أيضا ، وقد آمن به داود ، ثالثا إن ظهور أسماء مدن مثل دامسكي (دمشق) أماتا (حماة) مجيدوه أو رساليم أي مدينة سالم أو السّلام في كتابات إيبلا ، بمعنى أن هذه المدن قديمة جدا ، قال جارودي : ولكن يبدو أن هذه الأخبار لا تتفق مع التوراة؟ فأجبته مؤكدا : إن هذه الحقائق تتعارض مع ماورد في التوراة الذي يرى أن شعوب هذه المنطقة تنتمي إلى سام بن نوح عدا الكنعانيين سكان فلسطين الأصليين فهم ليسوا ساميين ، بل إن الحوريين أصدقاء الغزاة اليهود اعتبروا ساميين ، وهذا أمر عجيب إذ أن الكنعانيين أبرز عنصر سامي ، وإن الحوريين هم آريون ، لقد تبين من الدراسات الأثرية أن الشعوب والحضارات التي تعاقبت على هذه المنطقة تنتمي إلى أرومة واحدة ، وإن الأسماء التي أطلقت على هذه الشعوب والأسماء هي أسماء جغرافية ، مثلا كلمة عمور ، ومعناها اللغوي سكان الغرب أي بلاد الشام بالنسبة للرافدين ، وكنعان ومعناها اللغوي سكان الأراضي الواطئة أي الساحل في سورية ، وعرب معناها اللغوي سكان البادية ... وهم جميعا كانوا أعرابا في البادية ثم استوطنوا مدنا ، ومن الأصح أن يطلق عليهم على هذه الشعوب اسم العرب نظرا لأصلهم البدوي ، أما أن يطلق عليهم اسم أحد أبناء نوح سام فهو أمر لا يقبله المنطق العلمي ، وعلى هذا فإن الكنعانيين أجداد الفلسطينيين وسكان الساحل السوري ، من أو غاريت إلى جبيل حتى صوريل وحتى قرطاج في تونس هم العرب الذين آمنوا بإله واحد أعلى ، إلى جانب آلهة رمزية أخرى ، وهذا الإله هو غير يهوه إله اليهود فقط ، الإله الحاقد الذي يدعو إلى قتل الكنعانيين وأطفالهم والقضاء على زرعهم وقطعانهم ، إنها دعوة عنصرية إلهية بل دعوة سامية عنصرية ضد السامية الحقة ، وهذا الأمر من أخطر الفضائح التاريخية ، قال جارودي : إني أوافق على ذلك ، ولكن إذا كان هدف بعض الأثريين تأكيد التوراة ، فما هدفكم أنتم؟
فقلت : إن الأذكار المتناقضة التي وردت في التوراة فيما يتعلق بعبادة إيل أو يهوه لم تمنع من اعتبار اسم إسماعيل يطلق لأول مرة في التاريخ على ابن هاجر وإبراهيم لأن الله سمع آلامها ، وإن اسم أور سالم يطلق لأول مرة على مدينة القدس في عهد داود ، بينما نرى