درجات أولها الإلهام خوف ، ووحي النبوة أعلى الدرجات ، ثم وحي العارفين.
وهناك درجات للوحي لا حصر لها كالوحي إلى الحيوان كقوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النّحل : ٦٨] ، ثم الوحي إلى البشر كقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص : ٧] ، فكلمة وحي عامة ، وأصلها صلة الخلق بالحق ، ولكن الناس عن سماع الوحي صم لا يسمعون ، ولو سمعوه ووعوه ما تفرقوا ذات اليمين وذات الشمال.
والوحي يدخل من كل باب من أبواب القلب ، وبه أخذ دواب الأرض بالنواصي والأقدام ، فكل قول مسموع أو هو نجوى خفية هو وحي ، فما في الكون إلا صوت الوحي المرموز إليه دينا بالنفخ في الصور ، قال سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشّورى : ٥١].
٨ ـ (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨))
[الأنبياء : ٨]
الجسد الجسم الكلي ، وصلة الحق بالخلق صلة الروح بالجسم الكلي ، فما في الوجود إلا الجسد ظاهرا والروح باطنا ، والأنبياء هم صوت الحق فهم ممثلوه ، وحقيقتهم النور المحمدي المخلوق أزلا صدورا عن الله ، فحقيقة النبي نور ، وظهوره تعين وصدور ، وللجسد أجهزته وقواه وغذاؤه طعام وشراب وقضاء الوطر وإشباع غرائز ، فما تميز النبي عن الناس إلا بحقيقته التي هي وحي يوحي إليه.
٩ ـ (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩))
[الأنبياء : ٩]
قوله : (فَأَنْجَيْناهُمْ) أعقب قوله : (وَما كانُوا خالِدِينَ) في الآية السابقة ، والمعنى أن للجسم أجله ، متى قضى مات كما قال سبحانه كل نفس ذائقة الموت ، أما النجاة الواردة في الآية فهي العودة إلى النور الأصيل الذي هو حياة حقية نورانية ، ولهذا قال عليهالسلام أنا حي في قبري ، وقال الجنيد العارفون لا يموتون ولكنهم ينتقلون من دار إلى دار ، ولما كان الأصل النور المحمدي كما قال صلىاللهعليهوسلم : (أنا من نور الله والمؤمنون من فيض نوري) ، كانت النجاة لمن يتحقق بهذا النور ويصير إليه.
١٠ ـ (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))
[الأنبياء : ١٠]
الكتاب الصورة الإنسانية التي هي نسخة من الصورة الإلهية ، ولما كان الإسلام دين الإنسانية كافة فكتابه كتاب الإنسانية كافة أيضا ، ولهذا تجد كتب الصوفية التي تحدثت عن حقائق علم التوحيد ، وكشفت غطاءه منتشرة في جميع أنحاء العالم ، مقروءة من كافة المتدينين من أي دين.