وقال جلال الدين الرومي : أنا لست من جنس ملك الملوك فما أبعدني عن ذلك ، وإنما أنا مستضيء بنور من تجليه.
٢٧ ـ (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧))
[الأنبياء : ٢٧]
قوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) يعني أن العاقل لا ينطق إلا بعد أن يفكر وفكره حوار داخلي أساسه انشطار الروح إلى إيجاب وسلب لكي تملأ الدائرة وتشحن كما سبق لنا القول ، وعليه فالإنسان بوق ينفخ الروح في مدخله فيخرج الكلام من مخرجه.
٢٨ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨))
[الأنبياء : ٢٨]
الشفاعة تدخل في باب الأسماء ، فمن كان من النور وإلى النور فهو مشفوع له ، ومن كان من الظلمة وإلى الظلمة فهو غير مشفوع له ، وقال ابن عربي إن أصحاب الظلمة في تلاؤم مع ظلمهم عملا باقتضاء الطبع والتلاؤم بين الصفة والموصوف ، وقال جلال الدين الرومي : لما كان الكفار قد جاؤوا من جنس سجين ، فإن سجن الدنيا وافق هواهم.
٢٩ ـ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩))
[الأنبياء : ٢٩]
تدخل الأنا أو الأنية في نطاق الألوهية ، ولهذا قالت الصوفية قولك أنا أكثف حجاب ، فأنيتك نور من أنيته ، وشعاع من أشعته ، وبعض من أبعاضه ، فهو يتكثر من جهة معلولاته ، وأنت تكثره ، فمن أنت حتى تقول أنا؟
والملائكة معقولات وصفات ، والمعقولات إشعاع الأنوار الإلهية أيضا ، فليس للملائكة أن يقولوا نحن إله من دونه كما فعل إبليس.
وقوله : (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ال] ، يعني أن من احتجب بالأنية ، كانت أناه حجابه عن الله وبعدا ، فكانت جهنم مثواه باعتبار أصل جهنم جهنام وهي بئر بعيدة القعر.
٣٠ ـ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠))
[الأنبياء : ٣٠]
الرتق والفتق أساس الوجود ، فالرتق كونه سبحانه في حال العماء ، أي كالسحاب الرقيق ، كما جاء في الحديث ، أو كونه في السديم الأول قبل الانفجار الذري الكوني كما أثبت العلم الحديث ، فالرتق وجوده سبحانه بذاته من غير فتق ، أي من غير فض وخروج وتكثر.
والفتق خروج قواه ، وأول ما خرج منه الروح ، وسمته الفلاسفة العقل الكلي والعقل