الفعال ، وسمته الصوفية النور المحمدي والحقيقة المحمدية كما قال عليهالسلام : أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ، ومن الروح صورت النفس الكلية التي هي أم الأسماء أي المعقولات فكانت النفس الكلية أم الوجود وجسرا بين الله والعالم ، ومن النفس الكلية صدرت النفوس الجزئية باعتبار أن لكل اسم إلهي تعينا أي شخصا.
فالفتق تفتق الحق ، أي خروج ما فيه من علوم وقوى وإمكانات ، والمعقولات هي ما سميت في الآية السموات باعتبار السماء لطيفة شفافة ، والأعيان هي ما سميت الأرض باعتبار الأرض العالم الكثيف ، والماء أصل الوجود كله فهو الروح ، ولهذا جاء في الآية أن من الماء جعل الله كل شيء حي ، ونجد مثلا لهذا في كل كائن حي حيث يكون الروح سبب حياته وبخروج الروح يموت الحي ، ولأن الروح ممثل اسمه تعالى الحي فلقد قالت الصوفية فيه ما قالت من حيث كونه محل الأمر والفعل ، وأنشدت الشعراء شعرهم في الروح كما فعل ابن الفارض وابن عربي وعبد الغني النابلسي ، وسنعود إلى الحديث عن هذا الروح وكونه صاحب الأمر والفعل لدى الحديث عن الوصول إلى الجمع وعين الجمع بعد الإسراء بالنفس إلى عالم الروح.
٣١ ـ (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١))
[الأنبياء : ٣١]
الرواسي إشارة إلى العقائد ، فالثبات هو لصاحب العقيدة في الأرض ، والمؤمنون عامة ، والموحدون بخاصة ، قائمون على أرضية صلبة من إيمانهم وتوحيدهم ، فالعقيدة المرفأ الذي يؤوي السفن من العواصف ، ونور العقيدة مصباح المنارة المنير يهدي السفن في ظلمات البحر إلى حيث الأمن والراحة. والفجاج المسالك التي هي السبل إلى معرفة الله ، فهي الكشف اليقيني الذي يضيء القلب فيعرف الحقيقة ويرى الله عيانا ظاهرا في وجوده الأعم.
٣٢ ـ (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢))
[الأنبياء : ٣٢]
السقف المحفوظ إشارة إلى اسمه تعالى الحافظ الذي يحفظ القلب من الوسوسة وخواطر السوء ، ومن شعب الاسم الحافظ العفة التي تحفظ القلب من نار الشهوات ، ولا حافظ للقلب من هذه النار سوى الله ، فمن لم يحطه الله بسور العفة لا يعف ، والعفة تاج على رؤوس الأعفاء مثلما أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ، وكما أن تاج الصحة لا يراه إلا المرضى كذلك لا يرى تاج العفة إلا الفجار السادرون في شهواتهم ، فالإنسان خلق ضعيفا أمام الشهوات ، وليس له إلا الله حافظا ، اللهم اجعل قلبنا محفوظا بالعفة وطهرنا ، وأنت خير الحافظين.