٣٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)) [الأنبياء : ٣٣]
عالما الروح والمادة ، وعبر عنهما في الفلسفة بالفكر والامتداد ، أو الذات والموضوع ، ولله جميعا هذان العالمان ، فهو مولج الليل في النهار ، ومولج النهار في الليل ... فتلج أنواره في ظلمات المادة فإذا هي قمر يشع ليلة بدر التمام قد عكس سنا ضياء شمس الذات البهية ، سبحانه لا يخرج عليه شيء ، خلق الوجود المقيد ليظهر المطلق ، وخلق قلب الإنسان ليسع أنوار الوجود المطلق ، فسبحان من ظهر لنفسه بنفسه وفي قلوب خلقه.
٣٤ ـ (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤))
[الأنبياء : ٣٤]
البشر بنو آدم ، وآدم من تراب ، فالبشرية صيرورة المادة وتطورها الدائم وحركتها اللولبية الصاعدة الهابطة الداخلة الخارجة التي ليس لها إلا الأمد الإلهي ، فكم ضمت الأجداث أجسادا ، وكم تحول الجسد إلى تراب ، حتى قال أبو العلاء خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.
وظاهر النبي بشري ، فبشريته تعينه وجسمه الذي يبدأ رحلة الموت من ساعة الميلاد ، فحياة الإنسان رحلة في قطار منطلقا من المحطة أإلى المحطة ب حاملا المتشخصات من المعقولات مستعينا بهذه الحسيات على تفكيك المعقولات لإخراج المكنونات المألوهات.
٣٥ ، ٣٩ ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩))
[الأنبياء : ٣٥ ، ٣٩]
الشر والخير لله جميعا ، وقدم الله الشر على الخير في القول باعتبار الشر الطريق إلى كشف الخير ومعرفته ، ومن هذا المنطلق ، وعلى هذا الأساس نزلت ديانات التوحيد رافعة شعار التوحيد وهو لا إله إلا الله ، ولكم حاولت المذاهب السابقة والفلاسفة القدامى أن يجدوا تفسيرا لظاهرة الخير والشر الوجوديتين ، حتى جعلت الثنوية الفارسية للنور إلها وللظلام إلها ، ولكن أديان التوحيد ، وآخرها الإسلام ، رفعت شعار التوحيد ردا على تساؤلات الإنسان عن سبب وجود الشر وممارساته فلا خير بلا شر ، ومن دون الشر لا يعرف الخير ، والخير والشر فتنة كما ورد في الآية ، لأنه إذا توقف الخير أمام حاجز الأنا وقال أنا الخير ، أنا الصائم المصلي المزكي ، ضاع من ثم في صحراء الأنا ، وغرق في يم الأنا ، فلا يعرف لمن الأنا ، ومن هي الأنا الخالصة من كل تعين.