٤٠ ـ (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)) [الأنبياء : ٤٠]
الخبر الوارد في الآية كشفي ، إذ يفيد ما سيقع في المستقبل ، والمستقبل وأحداثه في علم الله الأزلي ، والنار هنا نار الوجود نفسه ، والإنسان يشعر بأنه موجود ، ويعيش هذا الشعور منذ ساعة مولده ، ثم يتطور الشعور إلى وعي ، ثم يتفتق الوعي نفسه ولهذا قال ديكارت : أنا أفكر إذن أنا موجود.
والوجود سابق على الفكر ، وسبق أن شرحنا هذا في كتابنا الإنسان الكبير مبينين أن المجنون موجود ، والخرف موجود ، والحيوان موجود ، والنبات موجود ، فللوجود الأسبقية ، ولما خلق الإنسان من العدم فالعدم أصله ، واكتسابه الوجود خلعة خلعها الوجود الحق عليه ، ولهذا فرقت الصوفية بين الوجود والموجود ، فالوجود الأصل والموجود التلبس بالوجود ، والكافر الذي يحيا وجوده ويشعر به هو كالسارق قد أخذ ما ليس له ، وادعى ما ليس ملكه ، وفي الكشف ، سواء أكان كشف العارفين ، أو الكشف الذي يحدث ساعة الموت ، يرى الإنسان كيف أن وجوده لباس له ، وأنه في الكشف عار من هذا اللباس ، وأن الله استعاد عاريته التي هي الوجود الحق ، ولهذا جاء في الآية التاسعة والثلاثين أن النار تأتي الكافرين من وجوههم ومن ظهورهم ، والوجه حقيقة الإنسان ، والظهر ظهوره وتعينه ، وعند ما يكاشف الإنسان بهذه الحقيقة يبهت ، ولا يستطيع رد ما يرى ، وكيف يرد ما يرى ، وما يراه ليس إلا حقيقته نفسها وقد انفصلت عنه ، وردت إلى الله صاحب العارية؟
٤١ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١))
[الأنبياء : ٤١]
الإحاقة إحاقة الاسم بالموجود المسمى ، ولهذا جاءت الإحاقة بمعنى نزلت والاسم نازل بصاحبه علم هذا أم جهل ، والكافر محكوم منذ نفخ فيه ، كذا قال عليهالسلام في الغلام الذي قتله العبد الصالح ، ولهذا لما حزن رسول الله على الذين لم يستجيبوا لدعوته ، ومنهم عمه أبو طالب ، كان جوابه تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] ، وقال : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩].
٤٢ ، ٤٣ ـ (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣))
[الأنبياء : ٤٢ ، ٤٣]
في الآية لطيفة ألا وهي كون العذاب النار هو من الله ، وكنا قد ذكرنا أن الاسم هو