السبب والمسبب بإذن الرحمن ، فالرحمن هو المبعد المقرب ، ولما كان الإنسان تعين اسمه ، سماعا لخاطره ، كان بالتالي غافلا عن حقيقة أن الله من وراء كل شيء محيط ، وأنه أحاط بالكافرين خبرا ، وأبعدهم قسرا وأزلا تحقيقا لقصد إلهي تحقق في الصراع والتناقض.
٤٤ ـ (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤))
[الأنبياء : ٤٤]
الأرض بمثابة البدن ، وإنقاصها من أطرافها إحاطتها بالروح الكلي الفاعل الذي إن تجلى جعل جبل البدن دكا ، وخر صاحبه صعقا ، كما حدث لموسى لما تجلى ربه للجبل.
٤٥ ـ (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥))
[الأنبياء : ٤٥]
ذكرنا أن الوحي درجات تبدأ بالضمير ، وعلى المستوى النفسي ليس ثمة من موح إلا الله كما قال سبحانه ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها.
وقوله : (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ ،) يعني أن الكافر لا يسمع صوت الهدى وإن تردد في سمعه عن طريق خواطره ، والسبب أن الإنسان كما قلنا عبد اسمه ، حبيس أبوابه المغاليق ، فقلب الكافر يميل إلى صوت الكفر وحديثه وأصحابه ، ولهذا قال الشاعر إن الطيور على أشكالها تقع.
٤٦ ـ (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦))
[الأنبياء : ٤٦]
خلق الإنسان ضعيفا ، وما دام أصله ذرا ، وأصله الروح ، والفاعل فيه وبه الروح ، كانت أصغر مصيبة تصيبه تجعله يرجع مباشرة إلى الروح فيه فيستغيث ويستنجد ، ويعلم أنه كان ظالما بإعراضه عن سماع الضمير.
٤٧ ـ (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧))
[الأنبياء : ٤٧]
الموازين الأعيان الثابتة ، وهي الجسر بين الحق والخلق ، فهي المعقولات التي لا هي موجودة ولا هي مفقودة ، والتي ما كانت لتوجد لو لا وجود الإنسان ، وهذا هو السبب الذي من أجله طلب الله إلى الملائكة السجود لآدم ، لأن الملائكة تمثل المعقولات الخالصة من غير تعين.