فهي في نظر الفلاسفة موجودة بالقوة لا بالفعل ، في حين أن الإنسان الكامل هو الذي يجعل ما هو موجود بالقوة موجودا بالفعل ، يقول أرسطو : الجوهر سابق على ما عداه من المقولات ، لأن الجواهر توجد مفارقة ، بينما الكيفيات لا توجد إلا بوصفها كيفيات لجواهر ، وآدم ممثل النوع الإنساني هو مجموع الكيفيات التي لا بد لها من كم لتظهر ، ولهذا فضل آدم على ملائكته المعقولات لأنها به تظهر وتعلم.
وقوله : (الْقِسْطَ) يعني كون المعقول مشحونا بكيف محدد ، ولهذا قال النبي في نسم آدم الموجودين عن يمينه في الأزل ، ونسمه الموجودين عن شماله ، فالموازين القسط اتخاذ المعقولات أشكالا وأنماطا محددة في ميدان الوجود الكلي ، وهذا ما عبر عنه سبحانه بقوله في موضع آخر : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) [يونس : ٦٤].
وقوله : (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) يعني أن النفس لا تطالب بغير ما شحنت به من معقول ، وهذا عدل إلهي يقتضي أن يكون أصحاب الجنة في الجنة وأصحاب النار في النار أزلا ... وشرح ابن عربي جوهر هذا العدل قائلا في عذاب أهل النار إنه يسمى عذابا من عذوبته ، أي أن أصحاب النار يستعذبون النار لأنهم من جنسها وطبيعتها ، وقال عليهالسلام الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
وقوله : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ،) يعني الإحاطة ، وهذا طبيعي ما دامت الأسماء في القبضة ، مشعة عن القبضة ، والقبضة الروح والعقل والعاقل والمعقول جميعا.
وقوله : (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء : الأية ٤٧] إشارة إلى العدد ، وأساس العدد الواحد ، ثم التسعة المنبثقة عن الواحد ، وكنا أشرنا إليها من قبل ، ثم التسعة والتسعون اسما التي إن أحصاها الإنسان دخل الجنة كما جاء في الحديث ، والمهم القول إن الله هو الحاسب ، لأنه هو أصل الواحد ومنه يشتق العدد بدءا من الاثنين كما جاء في الرياضيات ، وكونه سبحانه حاسبا يعني أنه محيط ، وهذا بدهي لأنه هو الأول باعتبار الواحد ، وهو الآخر باعتبار مالا نهاية له من الأعداد.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨))
[الأنبياء : ٤٨]
موسى وهارون إشارة إلى علمي الشريعة والحقيقة ، وكليهما يؤتى الإنسان الكامل ، ولهذا ورد في الآية ذكر الفرقان الذي هو فرق القرآن ، أو الفرق الثاني كما تقول الصوفية ، وفيه يعود الإنسان من عين الجمع ليباشر الدعوة إلى التوحيد ، وهو الضياء الذي ذكر في الآية وفيه يتقي