يموتون بل ينتقلون من دار إلى دار ، فالروح الحيواني يموت عند مفارقة الجسد الذي يدبره ، لكن الروح الإلهي ، كلي ، ومثله عيسى لما تعين به ، مثلما تعين روح النبي صلىاللهعليهوسلم ، ودل هذا قوله سبحانه : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) أي مخرجك من أرض الطبائع إلى سماء الروح.
وقوله سبحانه : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) معناه بلوغ الفلك الأسنى حيث الكلمات التامات خالدات كما الأعيان الثابتة ، ولهذه الكلمات التي مثلها الحواريون الغلبة على الكافرين المحجوبين.
هذا على مستوى الباطن ، أما على صعيد الظاهر فلقد كان الحواريون قلة مستضعفين ، وكان النفوذ والقوة للروم واليهود ، فجاء أمر الله ، وانتشر الحواريون في الأرض ، وفتحوها شرقا وغربا ، وكانت النتيجة انتشار المسيحية وانتصارها على الوثنية الرومانية والإسرائيلية المحرفة إلى يومنا هذا ، فالله غالب على أمره ، يفعل ما يشاء ، فعال لما يريد ، إذ شاء أمرا أنفذه ، سبحانه إنه على كل شيء قدير ، وما من دين أنزل من السماء وظهر في الأرض إلا وكان في ابتداء أمره ، ضعيفا مستضعفا محاربا ، من قبل الطغاة ، ثم يحكم الله أمره ، فإذا الضعف ينقلب قوة ، وينتشر دين الله وينتصر ، قال سبحانه في موضع آخر : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)) النصر].
٥٩ ، ٦٠ ـ (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠))
[آل عمران : ٥٩ ، ٦٠]
أشارت الآية إلى كيفية خلق عيسى عليهالسلام ، فكل خلق إنساني لا بد من تزواج بين نطفة الرجل وبويضة الأنثى ، إلا أن عيسى كان مثل آدم لم يخضع لهذا القانون ، وتم خلقه مباشرة بالنفخ في الرحم باعتباره الروح هو الفاعل سواء تم ذلك عن طريق التزاوج العادي ، أو عن طريق النفخ المباشر ، أي التأثير الروحي في المادة ، ويذكرنا الأمر بالعقيدة الأشعرية القائلة والمذكرة أن النار مثلا لا تسبب الإحراق ، وإنما هي سبب ، ومسبب الأسباب هو الذي يحدث الإحراق ، وهو الله تعالى ، قال سبحانه : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى : ٤٩ ، ٥٠] ، فالتزاوج ونقل الصفات عن طريق الجينات والمورثات والحفاظ على الحسب والنسب كما قال صلىاللهعليهوسلم : (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ... كل هذا من فعل الله عزوجل ، ولو رد الأمر إلى الطبيعة أو إلى رغبة الإنسان الفرد فكيف يمكن المحافظة