العداوة ناشئة من تضاد الأسماء المزدوجة ، وكون القلب مسرحا للخواطر ، والتأليف الاطلاع على سر القلب الذي يرد الخواطر إلى قبضة جامعة يصدر عنها الإلهام فجورا وتقوى ، فتضع الحرب في القلب أوزارها ، ويستريح القلب من أذى التضاد ، وهذا الكشف نعمة إلهية ، ينقذ بها الله عباده الذين اصطفى من نار البعد والتضاد.
١٠٤ ، ١٠٥ ـ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥))
[آل عمران : ١٠٤ ، ١٠٥]
الأمة الداعية إلى الخير أمة التوحيد ، فهؤلاء الذين يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، والمعروف ما عرف به الحق من أسماء وصفات وأفعال ، والمنكر ما أنكر من جعله بعيدا في السماء ، فيصبح الإنسان وحيدا تعسا ضعيفا في صحراء الحياة ، ولقد قرنت المعرفة بالفلاح ، إذ أن في تعرف الإنسان خالقه خلاصه وهداه.
١٠٦ ، ١٠٩ ـ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩))
[آل عمران : ١٠٦ ، ١٠٩]
الوجوه البيض القلوب التي تعكس سنا أسماء الجمال ، والوجوه السود القلوب التي تعكس آثار الشطر الآخر من الأسماء وهي أسماء القهر والجلال ، واسوداد الوجه الذي فسر بالكفر بعد الإيمان كون القلب أصلا على الفطرة كما جاء في الحديث في وصف الحجر في الكعبة : (خلق الله الحجر أشد بياضا من اللبن ولكن سودته خطايا بني آدم) ، فأصل الأسماء نور ، وأصل القلب نور ، وقال الإمام علي رضي الله عنه : (اليمين والشمال مظلة ، أو مضلة ، والوسطى هي الجادة) ، والمعنى أن بين أسماء الجمال وأسماء الجلال حقيقة تفسر التناقض والتضاد.
١١٠ ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠))
[آل عمران : ١١٠]
الخطاب موجه إلى الموحدين الذين هم قدماء قدم الظهور الإلهي حتى آدم عليهالسلام ، والذين استوى زرعهم بنزول الإسلام كدين جامع للدنيا والآخرة ، وإلى هذا أشارت الآية مخاطبة أهل الكتاب : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ،) أي لو آمنوا بالتوحيد الذي