دعت إليه الأنبياء ، فصدق بعضهم ما قالوا ، وفسق الآخرون بعد أن حرفوا حقائق التوحيد.
١١١ ـ (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١))
[آل عمران : ١١١]
ثمة لطيفة في قوله سبحانه مخاطبا المسلمين : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ،) أي سبا باللسان ، والمعنى كون الأسماء جميعا معقولات وأصل المعقول محسوس ، لكنه بصيرورته معقولا صار تجريدا أي معاني ولا يعبر عن المعاني إلا باللغة ، أي باللسان ، وقوله : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) يعني ارتداد الأسماء بشطريها الجمالي والجلالي إلى القبضة فيفر أصحاب أسماء الجلال عند سطوع نور القهر ، فيكون سبحانه القاهر فوق عباده بالضدين ، أي بالجمال والجلال.
١١٢ ـ (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢))
[آل عمران : ١١٢]
طلوع صفات الجلال توحي بالتكبر وهو قولك أنا وأنا ، فحاملو أسماء المنتقم والمذل والخافض مؤمنون بأنيتهم كأساس ومصدر ، ولهذا ضربت عليهم الذلة بالفصل بين الأصل والفرع ، والواجب والممكن ، فلا يكون لهم عز ولا صفة ، لأن القلب لا يشد أزره إلا بخالقه مهما تسلح بأسماء وصفات.
وقتل الأنبياء مواجهة حاملي أسماء الجلال أصحاب أسماء الجمال وإنكار رسالتهم والاعتداء عليهم ، والأصل في خلق شطري الأسماء إظهار وجه الجمال الإلهي ، بعد مقارنته بالظلمة ، فإذا لم يتحقق هذا كانت الظلمة ظلمات على الظالمين ، وهو أمر بدهي ، كما قيل الظالم سوط الله ينتقم به ، ثم ينتقم منه.
١١٣ ، ١١٤ ـ (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤))
[آل عمران : ١١٣ ، ١١٤]
الكتاب الوجود الجامع ، وهو اللوح المحفوظ فيه تفصيل كل شيء وقوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ ،) يعني أنهم مستقيمون ، أي متوجهون إلى جهة النور والروح يأخذون منهما ، وقوله : (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ) يعني أنهم يستخلصون المعاني والحكم وهم في ليل عالم المادة ، فوجودهم في ذلك العالم لحكمة وهي إخراج الدرر.