أن المطلع على سر التضاد لا عدو له ، وكيف يكون له عدو وهو يرى الله في الضدين؟ فالله سبحانه تجلى لموسى من جهة النار قبل أن يتجلى من جهة النور ، وللأمر لطيفة ، وعلى هذا الأساس العلمي قال المسيح : (أحبوا أعداءكم) ... في حين أن الفريق الآخر مبغض لأن له الشطر الواحد من الحقيقة دون الشطر الآخر ، وله وجه من وجوه التناقض دون إمكان إحصاء مالدى الوجوه الأخرى من حقائق ، والنتيجة البغض ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
١٢٠ ـ (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠))
[آل عمران : ١٢٠]
ممثلو أسماء الجلال يرون كل شيء من خلال منظار واحد ، ومنظارهم خاطر واحد هو عينهم إظهارا للاسم الذي يمثلونه ، وخاطرهم يحمل على الاسم البعيد ، أو على الاسم القوي ، والنتيجة انشطار في عالم الذات ، يمثل شطره الواحد هؤلاء الذين لا يحبون المؤمنين ، وعبر عن هذا الشنآن قوله تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها ،) وقوله : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ) يعني أن المؤمن يعبد ربه حتى يأتيه اليقين ، والعبادة هنا ممثلة في الصبر على أذى ممثلي شطر الأسماء الخافضة ، ثم اتقاء وجه الله الظاهر في الأنا الإنسانية ذاتها ، فإذا أتى اليقين أنار نور الكشف دائرة الأسماء فإذا الكل فانون ، وليس ثمت من إله إلا الله ، وبعد هذا الكشف لا يعود المكاشف يرى من عدوه إلا الوجه الآخر للحقيقة إبرازا لها وإخراجا.
أما كشف الفعل الممثل في كشف الخواطر فهو يظهر المكاشف على أصل الخواطر ومصدرها ، وهي العين الجبروتية ، فتنتفي من ثم كثرة الخواطر بردها إلى العين ، وهذه نتيجة أدت بإبراهيم إلى النجاة من نار الخواطر ، فأمن المكاشف كيد عدوه بعلمه أن الملك اليوم لله الواحد القهار ، وعن ابن عباس قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألهم المؤمن المتقي تقواه ، وألهم الفاجر فجوره ، ثم تلا قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)) [الشمس : ٧ ، ١٠].
١٢١ ـ (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١))
[آل عمران : ١٢١]
مقاعد القتال تمثيل أسماء الجمال ومنها المؤمن والمعز ، فترى اسم المؤمن مثلا يشمل الحق والخلق ، ومن طريق إيمان المؤمن يتم تحقق الاسم المؤمن للحق عزوجل ، ففي هذه المشاركة يتم تبوء المؤمنين لمقاعد القتال ، والقتال نفسه ضرورة لإتمام تمثيبل دور الاسم