(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (٣٤) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧)
ما فحش من الكبائر ، كأنه قال والفواحش منها خاصة ، قيل الكبائر ما أوعد الله عليه النار والفواحش ما شرع فيها الحدّ (إِلَّا اللَّمَمَ) أي الصغائر ، والاستثناء منقطع ، لأنه ليس من الكبائر والفواحش ، وهو كالنظرة والقبلة واللمسة والغمزة (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) فيغفر ما يشاء من الذنوب من غير توبة (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ) أي أباءكم (١) (مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) جمع جنين (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فلا تنسبوها إلى زكاء العمل وزيادة الخير والطاعات ، أو إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ، ولا تثنوا عليها واهضموها ، فقد علم الله الزكيّ منكم والتقيّ أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليهالسلام ، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم ، وقيل كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجّنا ، فنزلت ، وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء لا على سبيل الاعتراف بالنعمة ، فإنه جائز لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) فاكتفوا بعلمه عن علم الناس وبجزائه عن ثناء الناس.
٣٣ ـ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) أعرض عن الإيمان.
٣٤ ـ (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) قطع عطيته وأمسك ، وأصله إكداء الحافر ، وهو أن تلقاه كدية وهي صلابة كالصخرة فيمسك عن الحفر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما فيمن كفر بعد الإيمان ، وقيل في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعيّره بعض الكافرين ، وقال له : تركت دين الأشياخ وزعمت أنهم في النار ، قال : إني خشيت عذاب الله فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل به ومنعه.
٣٥ ـ (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) فهو يعلم أنّ ما ضمنه من عذاب الله حق.
٣٦ ـ (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) يخبر (بِما فِي صُحُفِ مُوسى) أي التوراة.
٣٧ ـ (وَإِبْراهِيمَ) أي وفي صحف إبراهيم (الَّذِي وَفَّى) أي وفّر وأتم ، كقوله : (فَأَتَمَّهُنَ) (٢) وإطلاقه ليتناول كلّ وفاء وتوفية ، وقرىء مخففا ، والتشديد
__________________
(١) في (ظ) و (ز) أباكم.
(٢) البقرة ، ٢ / ١٢٤.