وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٩) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٠)
(جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) يعني أنّ الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها ، وإنما موّلكم إياها للاستمتاع بها ، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها ، فليست هي بأموالكم في الحقيقة ، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنوّاب ، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى ، وليهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل الإنفاق من مال غيره إذا أذن له فيه ، أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم (١) بتوريثه إياكم ، وسينقله منكم إلى من بعدكم ، فاعتبروا بحالهم ولا تبخلوا به (فَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسله (مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ).
٨ ـ (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) هو حال من معنى الفعل في ما لكم ، كما تقول ما لك قائما ، بمعنى ما تصنع قائما ، أي وما لكم كافرين بالله ، والواو في (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) واو الحال ، فهما حالان متداخلتان ، والمعنى وأي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم (لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) وقبل ذلك قد أخذ الله ميثاقكم بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (٢) أو بما ركّب فيكم من العقول ومكّنكم من النظر في الأدلة ، فإذا لم تبق لكم علة بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول فما لكم لا تؤمنون (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لموجب ما فإنّ هذا الموجب لا مزيد عليه ، أخذ ميثاقكم أبو عمرو.
٩ ـ (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم (آياتٍ بَيِّناتٍ) يعني القرآن (لِيُخْرِجَكُمْ) الله تعالى ، أو محمد بدعوته (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ) بالمد والهمزة حجازي وشامي وحفص (رَحِيمٌ) الرأفة أشدّ الرحمة.
١٠ ـ (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا) في أن لا تنفقوا (فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يرث كلّ شيء فيهما لا يبقى منه باق لأحد من مال وغيره ، يعني وأي غرض
__________________
(١) زاد في (ظ) و (ز) فيما في أيديكم.
(٢) الأعراف ، ٧ / ١٧٢.