(فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧)
١٥ ـ (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ) وبالتاء شامي (مِنْكُمْ) أيها المنافقون (فِدْيَةٌ) ما يفتدى به (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ) مرجعكم (هِيَ مَوْلاكُمْ) هي أولى بكم ، وحقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم ، كما يقال هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل إنه لكريم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) النار.
١٦ ـ (أَلَمْ يَأْنِ) من أنى الأمر يأني إذا جاء إناه ، أي وقته ، قيل كانوا مجدبين بمكة ، فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين (١). وعن ابن أبي بكر رضي الله عنه : إن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديدا ، فنظر إليهم ، فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب (لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) بالتخفيف نافع وحفص ، الباقون نزّل ، وما بمعنى الذي ، والمراد بالذكر وما نزل من الحقّ القرآن ، لأنه جامع للأمرين للذكر والموعظة وأنه حق نازل من السماء (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) القراءة بالياء عطف على تخشع ، وبالتاء ورش على الالتفات ، ويجوز أن يكون نهيا لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد أن وبّخوا ، وذلك أن بني إسرائيل كان الحقّ يحول بينهم وبين شهواتهم وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقّت قلوبهم ، فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) الأجل أو الزمان (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) باتباع الشهوات (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين ، أي وقليل منهم مؤمنون.
١٧ ـ (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) قيل هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب ، وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض.
__________________
(١) مسلم والحاكم.