(عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(٦)
في معاتبتهما ، وجواب الشرط محذوف والتقدير إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ، ودلّ على المحذوف (فَقَدْ صَغَتْ) مالت (قُلُوبُكُما) عن الواجب في مخالصة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حبّ ما يحبّه وكراهة ما يكرهه (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) بالتخفيف كوفي ، وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) وليّه وناصره ، وزيادة هو إيذان بأنه يتولى ذلك بذاته (وَجِبْرِيلُ) أيضا وليه (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) ومن صلح من المؤمنين ، أي كلّ من آمن وعمل صالحا ، وقيل من برىء من النفاق ، وقيل الصحابة ، وقيل واحد أريد به الجمع كقولك لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس ، وقيل أصله صالحو المؤمنين فحذفت الواو من الخطّ موافقة للفظ (وَالْمَلائِكَةُ) على تكاثر عددهم (بَعْدَ ذلِكَ) بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين (ظَهِيرٌ) فوج مظاهر له ، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟
ولما كانت مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله قال بعد ذلك تعظيما لنصرتهم ومظاهرتهم :
٥ ـ (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ) يبدّله مدني وأبو عمرو ، فالتشديد للكثرة (أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) فإن قلت : كيف تكون المبدّلات خيرا منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ قلت : إذا طلّقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة ، وكان غيرهنّ من الموصوفات بهذه الأوصاف خيرا منهن (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) مقرّات مخلصات (قانِتاتٍ) مطيعات ، فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله (تائِباتٍ) من الذنوب أو راجعات إلى الله وإلى أمر رسوله (عابِداتٍ) لله (سائِحاتٍ) مهاجرات أو صائمات ، وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه ، فشبّه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) إنما وسّط العاطف بين الثيبات والأبكار دون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات.
٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) بترك المعاصي وفعل الطاعات (وَأَهْلِيكُمْ) بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) نوعا من النار لا تتّقد إلا بالناس والحجارة كما يتّقد غيرها من النيران بالحطب (عَلَيْها)