(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٨)
يلي أمرها وتعذيب أهلها (مَلائِكَةٌ) يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم (غِلاظٌ شِدادٌ) في أجرامهم غلظة وشدة ، أو غلاظ الأقوال شداد الأفعال (لا يَعْصُونَ اللهَ) في موضع الرفع على النعت (ما أَمَرَهُمْ) في محلّ النصب على البدل ، أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره كقوله : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (١) أو لا يعصونه فيما أمرهم (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) وليست الجملتان في معنى واحد إذ معنى الأولى أنهم يتقبّلون أوامره ويلتزمونها ، ومعنى الثانية أنهم يؤدّون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه.
٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا ، أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا لأنه لا عذر لكم ، أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار.
٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) صادقة عن الأخفش رحمهالله ، وقيل خالصة يقال عسل ناصح إذا خلص من الشمع ، وقيل نصوحا من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترمّ خللك ، ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجدّ والعزيمة في العمل على مقتضياتها ، وبضم النون حماد ويحيى ، وهو مصدر أي ذات نصوح أو تنصح نصوحا ، وجاء مرفوعا : (إن التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع) (٢) وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشرّ أن يتوب عن الذنب ثم يعود فيه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي الاستغفار باللسان والندم بالجنان والإقلاع بالإركان (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) هذا على ما جرت به عادة الملوك من الإجابة بعسى ولعلّ ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبتّ (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ونصب (يَوْمَ) بيدخلكم (لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
__________________
(١) طه ، ٢٠ / ٩٣.
(٢) كنز العمال ، ١٠٢٨٣ ، ١٠٣٠٢ ، ١٠٣٠٤.