وروي أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه ، فبقيت سنة في الرمي. وروي أنه لمّا ذبحه قال جبريل : الله أكبر الله أكبر ، فقال الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر ، فقال إبراهيم : الله أكبر ولله الحمد ، فبقي سنة ، وقد استشهد أبو حنيفة رضي الله عنه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده أنه يلزمه ذبح شاة.
والأظهر أنّ الذبيح إسماعيل ، وهو قول أبي بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضي الله عنهم لقوله عليهالسلام : (أنا ابن الذبيحين) (١) فأحدهما جدّه إسماعيل والآخر أبوه عبد الله ، وذلك أنّ عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح آخر ولده تقربا وكان عبد الله آخرا ، ففداه بمائة من الإبل ، ولأن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن الحجاج (٢) وابن الزبير ، وعن الأصمعي أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء (٣) عن الذبيح فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحاق بمكة ، وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة.
وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضي الله عنهم أنه إسحاق ويدلّ عليه كتاب يعقوب إلى يوسف عليهماالسلام : من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله (٤) ، وإنما قال (٥) وفديناه وإن كان الفادي إبراهيم عليهالسلام ، والله تعالى هو المفتدى منه ، لأنه الآمر بالذبح ، لأنه تعالى وهب له الكبش ليفتدي به.
وههنا إشكال وهو أنه لا يخلو إما أن يكون ما أتى به إبراهيم عليهالسلام من بطحه على شقّه وإمرار الشفرة على حلقه في حكم الذبح أم لا؟ فإن كان في حكم الذبح فما معنى الفداء؟ والفداء هو التخليص من الذبح ببدل ، وإن لم يكن فما معنى قوله قد صدقت الرؤيا ، وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح أصلا أو بدلا ولم يصح؟
والجواب أنه عليهالسلام قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح ، ولكن الله تعالى جاء
__________________
(١) ذكره الطبري في قصة عن معاوية بن أبي سفيان موقوفا.
(٢) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي ، قائد ، داهية ، سفاك وأخباره كثيرة ، ولد عام ٤٠ ه بالطائف ولاه عبد الملك بن مروان مكة والمدينة والطائف والعراق توفي عام ٩٥ ه (الأعلام ٢ / ١٦٨).
(٣) أبو عمرو بن العلاء هو زبّان بن عمار التميمي المازني البصري ، أبو عمرو ويلقب أبوه بالعلاء من أئمة اللغة والأدب وأحد القراء السبعة ولد عام ٧٠ ه وتوفي عام ١٥٤ ه (الأعلام ٣ / ٤١).
(٤) قال الدارقطني : موضوع وضعه إسحاق بن وهب.
(٥) في (ز) قيل.