(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى (٢٦) أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (٣٣)
يجب (١) ، والتشريف للمخاطب به (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ) حين ناداه (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) المبارك المطهر (طُوىً) اسمه (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) على إرادة القول (إِنَّهُ طَغى) تجاوز الحدّ في الكفر والفساد (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان. وبتشديد الزاي حجازي (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه (فَتَخْشى) لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة ، قال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) أي العلماء به ، وعن بعض الحكماء : اعرفوا (٣) الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين ، فالخشية ملاك الأمور من خشي الله أتى منه كلّ خير ومن أمن اجترأ على كلّ شر ، ومنه الحديث : (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل) (٤). بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض ، كما يقول الرجل لضيفه هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوّه كما أمر بذلك في قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (٥) (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) أي فذهب ، فأرى موسى فرعون العصا ، أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة (فَكَذَّبَ) فرعون بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحرا وسحرا (وَعَصى) الله تعالى (ثُمَّ أَدْبَرَ) تولى عن موسى (يَسْعى) يجتهد في مكايدته ، أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوبا يسرع في مشيته وكان طيّاشا خفيفا (فَحَشَرَ) فجمع السحرة وجنده (فَنادى) في المقام الذي اجتمعوا فيه معه (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) لا ربّ فوقي ، وكانت لهم أصنام يعبدونها (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ) عاقبة الله عقوبة الآخرة ، والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم ، ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل ، كأنه قيل نكل الله به نكال الآخرة أي الإحراق (وَالْأُولى) أي الإغراق ، أو نكال كلمتيه الآخرة وهي أنا ربّكم الأعلى ، والأولى وهي : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٦) وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون.
٢٦ ـ ٣٣ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) الله (أَأَنْتُمْ) يا منكري
__________________
(١) في (ز) زاد : أن يشيع.
(٢) فاطر ، ٣٥ / ٢٨.
(٣) في (ز) أعرف.
(٤) الحاكم والبيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية ، والترمذي عن أبي هريرة.
(٥) طه ، ٢٠ / ٤٤.
(٦) القصص ، ٢٨ / ٣٨.