فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) (٢٤)
(لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (١) فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة. ولا وقف مطلقا من أول السورة إلى ما أحضرت ، لأن عامل النصب في إذا الشمس وفيما عطف عليه جوابها وهو (عَلِمَتْ نَفْسٌ) أي كلّ نفس ، ولضرورة انقطاع النفس على كلّ آية جوّز الوقف (ما أَحْضَرَتْ) من خير وشر.
١٥ ـ ١٦ ـ (فَلا أُقْسِمُ) لا زائدة (بِالْخُنَّسِ) بالرواجع ، بينا ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعا إلى أوّله (الْجَوارِ) السيارة (الْكُنَّسِ) الغيّب ، من كنس الوحش إذا دخل كناسه ، قيل هي الدراري الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزّهرة والمشترى تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس ، فخنوسها رجوعها ، وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس ، وقيل هي جميع الكواكب.
١٧ ـ ٢١ ـ (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) أقبل بظلامه ، أو أدبر فهو من الأضداد (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) امتد ضوؤه ، ولما كان إقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفسا له مجازا ، وجواب القسم (إِنَّهُ) أي القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ) أي جبريل عليهالسلام ، وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به (كَرِيمٍ) عند ربه (ذِي قُوَّةٍ) قدرة على ما يكلّف لا يعجز عنه ولا يضعف (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) عند الله (مَكِينٍ) ذي جاه ومنزلة. ولما كانت حال المكانة على حسب حال الممكّن (٢) قال : عند ذي العرش ، ليدلّ على عظم منزلته ومكانته (مُطاعٍ ثَمَ) أي في السماوات يطيعه من فيها ، أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون ، يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه (أَمِينٍ) على الوحي.
٢٢ ـ ٢٤ ـ (وَما صاحِبُكُمْ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (بِمَجْنُونٍ) كما تزعم الكفرة ، وهو عطف على جواب القسم (وَلَقَدْ رَآهُ) رأى محمد جبريل عليهماالسلام على صورته (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) بمطلع الشمس (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ) وما محمد على الوحي (بِضَنِينٍ) ببخيل ، من الضنّ وهو البخل ، أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلّمه كما علّم ولا يكتم شيئا مما علم. بظنين مكي وأبو عمرو وعلي ، أي بمتهم
__________________
(١) ق ، ٥٠ / ٣١.
(٢) في (ظ) المكن ، وفي (ز) المكين.