بعث إليه ملكين في صورة إنسانين ، فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته ، فمنعهما الحرس ، فتسوّرا (١) عليه المحراب فلم يشعر إلّا وهما بين يديه جالسان ، ففزع منهما ، لأنهما دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء ، ولأنهما (٢) نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) خبر مبتدإ محذوف أي نحن خصمان (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) تعدّى وظلم (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحدّ وتخطي الحقّ (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) وأرشدنا إلى وسط الطريق ومحجّته ، والمراد عين الحقّ ومحضه.
روي أنّ أهل زمان داود عليهالسلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته ، وكان لهم عادة في المواساة بذلك ، وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك ، فاتفق أنّ عين داود عليهالسلام وقعت على امرأة (٣) أوريا ، فأحبها ، فسأله النزول له عنها ، فاستحى أن يردّه ففعل ، فتزوجها ، وهي أم سليمان ، فقيل له إنك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به.
وقيل خطبها أوريا ، ثم خطبها داود ، فآثره أهلها ، فكانت زلّته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.
وما يحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء وأحبّ أن يقتل ليتزوجها فلا يليق من المتّسمين بالصلاح من أفنان المسلمين فضلا عن بعض أعلام الأنبياء.
وقال عليّ رضي الله عنه : من حدّثكم بحديث داود عليهالسلام على ما يرويه القصّاص جلدته مائة وستين هو حدّ الفرية على الأنبياء (٤).
وروي أنه حدّث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحقّ فكذّب المحدّث به وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك ، وإن كانت على ما ذكرت وكفّ الله عنها سترا على نبيّه فما
__________________
(١) في (ظ) و (ز) فتسوروا.
(٢) في جميع النسخ : منهم ... ولأنهم.
(٣) في (ز) فاتفق أن داود عليهالسلام وقعت عينه على امرأة.
(٤) قال ابن حجر : لم أجده.