(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)(٢٩)
٢٧ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق (باطِلاً) خلقا باطلا لا لحكمة بالغة ، أو مبطلين عابثين ، كقوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (١) وتقديره ذوي باطل أو عبثا ، فوضع باطلا موضعه ، أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ، ولكن للحقّ المبين ، وهو أنا خلقنا نفوسا أودعناها العقل ، ومنحناها التمكين ، وأزحنا عللها ، ثم عرّضناها للمنافع العظيمة بالتكليف ، وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب أعمالهم (ذلِكَ) إشارة إلى خلقها باطلا (ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الظنّ بمعنى الظنون ، أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا ، وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السماوات والأرض وما بينهما لقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٢) لأنه لمّا كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤديا إلى أنّ خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه ، لأنّ الجزاء هو الذي سيقت (٣) إليه الحكمة في خلق العالم فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).
٢٨ ـ (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) أم منقطعة ، ومعنى الاستفهام فيها الإنكار ، والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر ، ومن سوّى بينهم كان سفيها ولم يكن حكيما.
٢٩ ـ (كِتابٌ) أي هذا كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) يعني القرآن (مُبارَكٌ) صفة أخرى (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) وأصله ليتدبّروا قرىء به ، ومعناه ليتفكروا فيها ، فيقفوا على ما فيه ويعملوا به ، وعن الحسن : قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ، حفظوا حروفه وضيّعوا حدوده. لتدبّروا على الخطاب بحذف إحدى التاءين يزيد (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) وليتعظ بالقرآن أولو العقول.
__________________
(١) الأنبياء ، ٢١ / ١٦.
(٢) لقمان ، ٣١ / ٢٥. الزمر ، ٣٩ / ٣٨.
(٣) في (ز) سبقت.