(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) (٣٢)
٣٠ ـ (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) أي سليمان ، وقيل داود ، وليس بالوجه ، فالمخصوص بالمدح محذوف (إِنَّهُ أَوَّابٌ) وعلّل كونه ممدوحا بكونه أوابا ، أي كثير الرجوع إلى الله تعالى.
٣١ ـ (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) على سليمان (بِالْعَشِيِ) بعد الظهر (الصَّافِناتُ) الخيول القائمة على ثلاث قوائم ، وقد أقامت الأخرى على طرف حافر (الْجِيادُ) السّراع جمع جواد ، لأنه يجود بالركض ، وصفها بالصفون لأنه لا يكون في الهجن (١) وإنما هو في العراب (٢) ، وقيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية ، يعني إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها ، وإذا جرت سراعا خفافا في جريها ، وقيل الجياد الطّوال الأعناق من الجيد.
وروي أنّ سليمان عليهالسلام غزا أهل دمشق ونصيبين (٣) فأصاب ألف فرس ، وقيل ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة ، وقيل خرجت من البحر لها أجنحة ، فقعد يوما بعد ما صلى الظهر على كرسيّه واستعرضها ، فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر ، وكانت فرضا عليه ، فاغتم لما فاته ، فاستردّها ، وعقرها تقربا لله ، وبقي مائة ، فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها ، وقيل لما عقرها أبدله الله خيرا منها ، وهي الريح تجري بأمره.
٣٢ ـ (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) أي آثرت حبّ الخيل عن ذكر ربّي كذا عن الزّجّاج ، فأحببت بمعنى آثرت ، كقوله تعالى : (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٤) وعن بمعنى على ، وسمّى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلّق الخير بها ، كما قال عليهالسلام : (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) (٥) وقال أبو علي : أحببت بمعنى جلست من إحباب البعير وهو بروكه. حبّ الخير أي المال مفعول له
__________________
(١) في (ز) الهجان.
(٢) العراب : الجياد العربية الأصيلة (انظر القاموس ١ / ١٠٢).
(٣) نصيبين : مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام فتحت عام ١٧ ه (معجم البلدان ٥ / ٢٣٣).
(٤) فصلت ، ٤١ / ١٧.
(٥) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.