* النبيّ المسيح والسلطة الغيبية :
ومثله ما صدر عن عيسى المسيح ـ عليه السلام ـ من تصرّف يكشف عن وجود سلطة خارقة للعادة ، إذ كان يخلق من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيراً يتحرك ويطير ، أو يعالج ما استعصى من الأمراض والعلل دون ما آلة أو دواء ، كما يحدّثنا القرآن الكريم حيث يقول :
(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران ـ ٤٩).
والجدير بالذكر أنّ الله يصرّح في آية أُخرى بأنّ هذه التصرّفات كانت نتيجة فعل عيسى نفسه ، الكاشف عن سلطته نفسه (وإن كانت مستندة إلى الله مآلاً) إذ يقول تعالى :
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) (المائدة ـ ١١٠).
ولمّا كان صدور هذه الآيات منه مستنداً إلى الله تعالى من غير أن يستقل عيسى بشيء منها كرر جملة (بِإِذْنِ اللهِ) في كل مورد ، لكيلا يضل فيه الناس فيعتقدوا بألوهيته ، لصدور تلك الآيات منه ، ولأجل ذلك قيد المسيح كل آية يخبر بها عن نفسه كالخلق وإحياء الموتى ب «إذن (اللهِ) ثمّ ختم الكلام في آية أُخرى بقوله :
(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (آل عمران ـ ٥١).
وظاهر قوله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ) صدور هذه الآيات منه في الخارج ولم يكن الهدف منه مجرد الاحتجاج والتحدي ، ولو كان المراد ذلك لكان حق الكلام تقييده بقوله : إن سألتم أو أردتم.