السادسة : التوحيد في الحاكمية :
لا يشك أيّ عاقل يدرك أنّ الحكومة حاجة طبيعية يتوقف عليها حفظ النظام في المجتمع البشري ، وقيام الحضارة المدنية ، وتعريف أفراد المجتمع بواجباتهم ووظائفهم ، وما لهم وما عليهم من الحقوق.
وحيث إنّ إعمال الحكومة والحاكمية في المجتمع لا ينفك عن التصرف في النفوس والأموال ، وتنظيم الحريات وتحديدها أحياناً ، والتسلّط عليها ، احتاج ذلك إلى ولاية بالنسبة إلى الناس ، ولو لا ذلك لَعُدَّ التصرف عدواناً.
وبما أنّ جميع الناس سواسية أمام الله ، والكل مخلوق له بلا تمييز ، فلا ولاية لأحد على أحد بالذات ، بل الولاية لله المالك الحقيقي للإنسان ، والكون ، والواهب له وجوده وحياته فلا يصح لأحد الإمْرَة على العباد إلّا بإذنٍ من الله سبحانه.
فالأنبياء والعلماء والمؤمنون مأذونون من قِبله سبحانه في أن يتولّوا الأمر من جانبه ويمارسوا الحكومة على الناس من قبله ، فالحكومة حق مختص بالله سبحانه ، والامارة ممنوحة من جانبه.
قال سبحانه :
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف ـ ٤٠).
والحكم له معنى وسيع أوسع من التشريع والتقنين والمراد منه هنا هو الحاكمية على الإنسان ولأجل كونه واجداً لذلك المقام ، أصدر أمراً بعدم عبادة غيره.
ويوضح الانحصار قوله سبحانه :
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (الأنعام ـ ٥٧).