٧ ـ ليس مطلق الخضوع عبادة :
بيد أنّ العبادة وإن فسّروها بالطاعة والخضوع والتذلّل أو إظهار نهاية التذلّل ، لكن جميع هذه التعاريف ما هي إلّا نوع من التعريف بالمعنى الأعم ، لأنّ الطاعة والخضوع وإظهار التذلّل ليست ـ على وجه الإطلاق ـ عبادة ، لأنّ خضوع الولد أمام والده ، والتلميذ أمام أُستاذه ، والجندي أمام قائده لا يعدّ عبادة مطلقاً مهما بالغوا في الخضوع والتذلّل ، وتدلّ الآيات ـ بوضوح ـ على أنّ غاية الخضوع والتذلّل ، فضلاً عن كون مطلق الخضوع ، ليست عبادة ، ودونك تلك الآيات :
١ ـ سجود الملائكة لآدم الذي هو من أعلى مظاهر الخضوع حيث قال سبحانه :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (البقرة ـ ٣٤)
فالآية تدل على أنّ آدم وقع مسجوداً للملائكة ، ولم يحسب سجودهم له شركاً وعبادة لغير الله ، ولم تعد الملائكة بذلك العمل مشركة ، ولم يجعلوا بعملهم ندّاً لله وشريكاً في المعبودية ، بل كان عملهم تعظيماً لآدم وتكريماً لشأنه.
وهذا هو نفسه خير دليل على أنّه ليس كل تعظيم أمام غير الله عبادة له ، وأنّ جملة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) وإن كانت متّحدة مع جملة : (اسْجُدُوا لِلَّهِ) إلّا أنّ الأول لا يعدّ أمراً بعبادة غيره سبحانه ويعد الثاني أمراً بعبادة الله (١).
ويمكن أن يتصوّر ـ في هذا المقام ـ أنّ معنى السجود لآدم ـ في هذه الآية ـ هو الخضوع له لا السجود بمعناه الحقيقي والمتعارف ، ومعلوم أنّ مطلق الخضوع ليس عبادة بل «غاية الخضوع» التي هي السجود ، هي التي تكون عبادة. أو يمكن
__________________
(١). وهذا يدل على أنّ الاعتبار إنّما هو بالنيات والضمائر لا بالصور والظواهر.