مع مؤلّف المنار في تفسير حصر الاستعانة :
إنّ مؤلّف المنار تصوّر أنّ حدّ التوحيد هو : أن نستعين بقدرتنا ونتعاون فيما بيننا ـ في الدرجة الأُولى ـ ثمّ نفوّض بقية الأمر إلى الله القادر على كل شيء ، ونطلب منه ـ لا من سواه ـ ويقول في ذلك :
«يجب علينا أن نقوم بما في استطاعتنا من ذلك ونبذل لإتقان أعمالنا كل ما نستطيع من حول وقوّة وأن نتعاون ، ويساعد بعضنا بعضاً ، ونفوّض الأمر فيما وراء كسبنا إلى القادر على كل شيء ونلجأ اليه وحده ، ونطلب المعونة للعمل والموصل لثمرته منه سبحانه دون سواه» (١).
إذ صحيح أنّنا يجب أن نستفيد من قدرتنا ، أو من العوامل الطبيعية المادية ولكن يجب بالضرورة أن لا نعتقد لها بأيّة أصالة وغنى واستقلال وإلّا خرجنا عن حدود التوحيد.
فإذا اعتقد أحد بأنّ هناك ـ مضافاً إلى العوامل والقوى الطبيعية ـ سلسلة من العلل غير الطبيعية التي تكون جميعها من عباد الله الأبرار الذين يمكنهم تقديم العون (٢) لمن استعان بهم تحت شروط خاصة وبإذن الله وإجازته دون أن يكون لهم أيّ استقلال لا في وجودهم ولا في أثرهم ، فأنّ هذا الفرد لو استعان بهذه القوى غير الطبيعية مع الاعتقاد المذكور ـ لا تكون استعانته عملاً صحيحاً فحسب بل تكون ـ بنحو من الأنحاء ـ استعانة بالله ذاته كما لا يكون بين هذين
__________________
(١). المنار : ١ / ٥٩.
(٢). البحث مركّز في أنّ طلب العون والحال هذه شرك أو لا؟ وأمّا أنّه هل أُعطيت لهم تلك المقدرة على العون أو لا؟ فخارج عن موضوع بحثنا ، وإنّما إثباته على عاتق الأبحاث القرآنية الأُخرى وقد نبّهنا على ذلك غير مرة.