الرابعة : التوحيد في التشريع والتقنين :
لا يشك عاقل في أنّ حياة الإنسان الاجتماعية تحتاج إلى قانون ينظّم أحوال المجتمع البشري وأوضاعه ويقوده إلى الكمال الذي الذي خلق له ، (والكل ميسَّر لما خلق).
غير أنّ القرآن الكريم لم يعترف بتشريع للبشرية سوى تشريع الله سبحانه ، ولا قانون سوى قانونه ، فهو يراه المشرّع الوحيد الذي يحق له التقنين خاصة ، وغيره المنفِّذ للقانون الإلهي المطبِّق لتشريعه.
وقد وردت في هذا الصدد آيات في الذكر الحكيم نكتفي بذكر قسم منها :
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف ـ ٤٠).
فالمراد من حصر الحاكمية على الله هو حصر الحاكمية التشريعية عليه سبحانه ، فالآية تهدف إلى أنّه لا يحق لأحدٍ أن يأمر وينهى ويُحرّم ويُحلّل سوى الله سبحانه ، ولأجل ذلك قال بعد قوله :
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) : (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.)
فكأنّ أحداً يسأل عن أنّه إذا كان الأمر مختصاً به سبحانه فما ذا أمر الله في مورد العبادة فأجاب على الفور :
(أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ.)
وقال سبحانه :
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة ـ ٥٠).