إنّ هذه الآية تقسم القوانين الحاكمة على البشر إلى قسمين : إلهي ، وجاهلي ، وبما أنّ ما كان من صنع الفكر البشري ليس إلهياً فهو بالطبع يكون حكماً جاهلياً.
وقال سبحانه :
(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.)
وقال :
(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.)
وقال :
(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (المائدة ـ ٤٤ و ٤٥ و ٤٧).
وهذه الآيات وإن كانت تصف الحاكم بغير ما أنزل الله بالصفات الثلاث لا المقنِّن والمشرِّع البشري غير أنّها تدل تلويحاً على حرمة نفس التقنين بغير إذنه ، لأنّ الهدف من تشريع الأحكام وتقنين القوانين جعلها وسيلة للحكم والقضاء ، وإلّا فالتشريع والتقنين بدون التنفيذ والتطبيق لا يحوم حوله عاقل.
فهذه المقاطع الثلاثة توضح أنّ ممنوعية التقنين والتشريع بهدف الحكم على وفقه كانت موجودة في الشرائع الإلهية السالفة أيضاً ، وما ذلك إلّا لأجل أنّ التقنين أوّلاً ، والحكم ثانياً حقّ مخصوص بالله سبحانه ، لم يفوّضه إلى أحد من خلقه ، ولأجل ذلك يصف المبدِّل للنظام الإلهي بالكفر تارة ، والظلم اخرى ، وبالفسق ثالثة.
فهم كافرون لأنّهم يخالفون التشريع الإلهي بالرد والإنكار والجحود.
وهم ظالمون لأنّهم يسلمون حق التقنين الذي هو خاص بالله إلى غيره.
وهم فاسقون لأنهم خرجوا بهذا الفعيل عن طاعة الله سبحانه.
وأمّا ما يفعله العلماء والفقهاء فهو تخطيط كل ما يحتاج إليه المجتمع الإسلامي في إطار القوانين والضوابط
الإلهية والإسلامية ، وليس ذلك بتشريع أو تقنين.