أنّ يتصوّر أنّ المقصود بالسجود لآدم هو جعله «قبلة» لا السجود له سجوداً حقيقياً.
ولكن كلا التصورين باطلان.
أمّا الأوّل فلأنّ تفسير السجود في الآية بالخضوع خلاف الظاهر ، والمتفاهم العرفي إذ المتبادر من هذه الكلمة ـ في اللغة والعرف ـ هو الهيئة السجودية المتعارفة لا الخضوع ، كما أنّ التصوّر الثاني هو أيضاً باطل ، لأنّه تأويل بلا مصدر ولا دليل.
هذا مضافاً إلى أنّ آدم ـ عليه السلام ـ لو كان قبلة للملائكة لما كان ثمة مجال لاعتراض الشيطان إذ قال :
(أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الإسراء ـ ٦١).
لأنّه لا يلزم ـ أبداً ـ أن تكون القبلة أفضل من الساجد ليكون أي مجال لاعتراضه ، بل اللازم هو : كون المسجود له أفضل من الساجد في حين أنّ آدم لم يكن أفضل في نظر الشيطان ، وهذا ممّا يدل على أنّ السجود كان لآدم لا أن يكون آدم قبلة.
يقول الجصاص : ومن الناس من يقول : إنّ السجود كان لله وآدم بمنزلة القبلة لهم وليس هذا بشيء لأنّه يوجب أن لا يكون في ذلك حظ التفضيل والتكرمة ، وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم مفضّلاً مكرّماً ، ويدل على أنّ الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم ـ عليه السلام ـ وتفضيله ، قول إبليس فيما حكى الله عنه :
(أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً* قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) (الإسراء ـ ٦١ ـ ٦٢).
فأخبر إبليس أنّ امتناعه من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته بأمره إيّاه بالسجود له ولو كان الأمر بالسجود له على أنّه نصب قبلة للساجدين