وقال في تفسير الجلالين : فقالوا ـ أي الكفّار ـ : ابنوا عليهم ـ أي حولهم ـ بنياناً يسترهم ، ربّهم أعلم بهم (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) : أمر الفتية وهم المؤمنون : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ) ـ حولهم ـ (مَسْجِداً) يصلى فيه) (١).
وعلى الجملة فقد اتفق المفسّرون على أن القائل ببناء المسجد على قبورهم كان هم المسلمون ولم ينقل القرآن هذه الكلمة منهم إلّا لنقتدي بهم ونتّخذهم في ذلك أُسوة.
ولو كان بناء المسجد على قبورهم أو قبور سائر الأولياء أمراً محرّماً لتعرّض عند نقل قولهم بالرد والنقد لئلّا يضل الجاهل.
وأمّا ما روي عن النبيّ من قوله : لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٢) فالمراد منه هو السجود على قبور الأنبياء واتّخاذها قبلة في الصلاة وغيرها والمسلمون بريئون عن ذلك ، وقد أوضحه القسطلاني في كتابه إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري.
إنّ قبور الأنبياء المنتشرة حول بيت المقدس كقبر داود ـ عليه السلام ـ في القدس وقبور إبراهيم ، وبنيه إسحاق ويعقوب ويوسف الذي نقله موسى من مصر إلى بيت المقدس في بلد الخليل ، كلّها مبنية مشيّدة قد بني عليها بالحجارة العادية العظيمة من قبل الإسلام ، وبقي ذلك بعد الفتح الإسلامي الى اليوم.
غير أنّ ابن تيمية اعتذر عن ذلك في كتابه : «الصراط المستقيم» بأنّ البناء الذي كان على قبر إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ كان موجوداً في زمن الفتوح ، وزمن الصحابة إلّا أنّ باب ذلك البناء كان مسدوداً إلى سنة ٤٠٠ ه.
ولكن هذا الكلام لا يفيده أبداً ولا يضرنا ؛ فانّ «عمر» لما فتح بيت المقدس
__________________
(١). تفسير الجلالين : ٢ / ٣.
(٢). صحيح البخاري : ٢ / ١١١ ، كتاب الجنائز.