التّحريم أيضا أو لارتكاب الإثم ، والأوّل باطل لأنّهم سألوا النّبيّ صلىاللهعليهوآله أن أفتنا في الخمر وغرضهم بيان تحريمها فنزلت ، وذلك يقتضي ظهورها في التّحريم والّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو باطل كما ثبت في محلّه.
ثمّ قالا : ودعا عبد الرّحمن بن عوف أناسا منهم فشربوا وسكروا وأمّ أحدهم فقرء أعبد ما تعبدون فنزلت (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فقل من يشربها. ولا يخفى أنّ السّابقة أدل على التّحريم من هذه الآية فترك الأكثر الشّرب لهذه دون سابقتها نظرا إلى عدم الفهم منها بعيد.
ثمّ قالا : ودعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبى وقّاص فلمّا سكروا افتخروا وتناشدوا حتى أنشد سعد شعرا فيه هجاء الأنصار فضربه أنصاريّ بلحى بعير فشجّه موضحة فشكى الى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال عمر : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ) إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقال عمر : انتهينا يا رب.
ولا يذهب عليك انّ عمر مع ورود هذه الآيات وارتداع جماعة من الصّحابة عن الشّراب بعد ورود كلّ آية لم يرتدع واستمرّ على شربها مع سماع الأجوبة إلى آخر آية نزلت في ذلك وهو يعطي قلّة خوفه من الله تعالى حال حياة النّبيّ صلىاللهعليهوآله ونقل في الكشاف عن علي عليهالسلام (١) لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذّن عليها ولو وقعت في البحر ثم جفّ ونبت فيه الكلاء لم أرعه. وعن ابن عمر : لو أدخلت إصبعي فيه لم تتبعني يعنى قطعها.
ثم قال : وهذا هو الايمان حقا وهم الّذين اتّقوا الله حقّ تقاته ، والظّاهر انّه يريد وصف علىّ عليهالسلام وابن عمر بالايمان الكامل إذ رجوع كلامه الى الجميع بعيد ويلزم منه عدم الايمان في غيرهما وكفى به شاهدا على عدم الايمان في صاحبيه.
__________________
(١) انظر كنز العرفان : ج ٢ ، ص ٣٠٥ واللفظ فيه : (ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه لم أرعه). وفي الكشاف. ج ١ ، ص ٢٦٠ مثل ما في الكتاب ، ولم أجده في الشاف الكاف. وفي زبدة البيان ج ١ ، ص ٦٣٠.