أعظم من النّفع.
وأمّا ثانيا فلانّ الفعل إذا اشتمل على مفاسد كثيرة أكثر ممّا يتخيّل أنّه منفعة فإنّ الحكمة تقتضي تحريمه وإن قلنا بالحسن والقبح الشّرعيّين فقط وأنّ أفعاله تعالى ليست معلّلة بالأغراض وأنّه يجوز خلوّ الاحكام عن علل ومصالح لانّ ذلك لا يجوز عند ظهور المفاسد ولم يقل به من يقول بالشّرعيّين ، ومن ثمّ كان أصحاب القياس لا يجوّزون كون وصف صالح للعلّية غير علّة ولا يقولون بخلوّ الحكم عن علّة مهما أمكن وان جاز الخلوّ ويحكمون بأنّ التعبد قليل بل ليس له وجود فتأمّل.
«وفي مجمع البيان» : قال الحسن : في الآية دلالة على تحريم الخمر من وجهين : أحدهما قوله : وإثمهما أكبر فإنّه إذا زادت مضرّة الشيء على منفعته اقتضى العقل الامتناع منه والثّاني انّه بيّن انّ فيهما الإثم وقد حرم في آية أخرى الإثم فقال : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ) هذا.
واعلم انّ الظّاهر من الأخبار وهو المشهور بين أصحابنا انّ الخمر ما كانت محلّلة أصلا في الإسلام بل في سائر الأديان كانت حراما ، والّذي يظهر من الكشاف والبيضاوي أنّها كانت محلّلة في أوّل الإسلام ثمّ نزل تحريمها قال في الكشاف ونحوه قال في تفسير القاضي : روى انّها نزلت بمكّة (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال. وفي استفادة التّحليل من هذه الآية نظر ، بل الظّاهر خلافه وسيجيء الكلام فيها قريبا ان شاء الله تعالى.
ثمّ قالا : انّ عمر ومعاذا ونفرا من الصّحابة قالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر فإنّها مذهبة للعقل ومسلبة للمال فنزلت (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) الآية ، فشربها قوم وتركها آخرون.
ولا يخفى ما فيه فانّ قولهم : أفتنا. ان كان بعد فهم التحليل من الآية السّابقة فلا وجه للإفتاء بعده بل يجب عليهم متابعة قوله تعالى وارادة التّحريم بالإفتاء بعد ثبوت التّحليل لا معنى له ، وأيضا شرب قوم بعد نزول هذه الآية امّا لعدم فهمهم