لا يقال : نقل في مجمع البيان انّ رجوع الاستثناء إلى الجملتين من قول أبى جعفر وأبى عبد الله عليهماالسلام وهو ينافي ما ذكرتم لوجوب العمل بقولهما.
لأنّا نقول : ليس معناه انّه راجع إليهما بحسب التّركيب واللّفظ بل حسب المآل والمسألة ويجوز أن يكون متعلّقا بهما هنا لخصوصيّة النّصّ والعلم بكون الحكم كذلك. وقد يكلّف في صحّته أيضا بأن يكون قبل هذا الاستثناء استثناء آخر راجع إلى الجملة الثّانية لكنّه حذف بقرينة المذكور ، أو لعدم كونه منصوبا هنا وكون المختار الرّفع إنّما هو فيما لا محذور فيه وتمنع اعراب الشيء الواحد بإعرابين متوافقين فتأمّل.
ولعلّ تصحيح قول الشّافعيّ برجوع الاستثناء إلى الجملتين يكون بذلك وإلّا فالمحذور أعنى لزوم ورود عاملين على معمول واحد على ذلك التقدير ثابت وقد اتّفق الجميع على عدم رجوعه إلى الأولى هنا لأنّ التّوبة لا تسقط الجلد الّذي هو حقّ النّاس.
وممّا يبطل قول الحنفيّة بعدم قبول شهادته بعد التّوبة : انّ الكافر إذا تاب قبلت شهادته وليس القذف بأعظم منه بل أسهل قطعا ، وأيضا الزّاني إذا تاب قبلت شهادته والقاذف أسهل منه إذ هو أخفّ ذنبا إذ الرّمي بالفاحشة أسهل من فعلها وهو ظاهر.
وقد ادّعى الطبرسي في مجمع البيان في الصّورتين الإجماع ، وأيضا أنّ أبا حنيفة يقبل شهادته قبل الحدّ فبعده وقد تاب وحسنت حاله أولى وأيضا الكافر إذا قذف بالزّنا غيره وفعل أيضا من أنواع المحرّمات ويتوب عن الكفر تقبل شهادته بالإجماع فالتّائب من القذف وحده أولى.
وما أجاب به في الكشاف من أنّ المسلمين لا يعبأون بسب الكفّار لأنّهم شهروا بعداوتهم والطّعن فيهم بالباطل فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشّنار ما يلحقه بقذف مسلم مثله فشدّد على القاذف من المسلمين. فلا يخفى ما فيه من التّكلّف الّذي لا يجدى نفعا مع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.