ولقد أحسن يحيى بن معاذ في هذا المعنى حيث قال : الوعد حقّ والوعيد حقّ فالوعد حقّ العباد على الله تعالى ضمن لهم إذا فعلوا كذا أن يعطيهم كذا ومن أولى بالوفاء من الله ، والوعيد حقّه على العباد قال لا تفعلوا كذا فاعذّبكم ففعلوا فان شاء عفى وان شاء أخذ لأنّه حقّه وأولاهما بربّنا العفو والكرم انّه غفور رحيم.
ولا يلزم الكذب في اخباره بالخلود على تقدير العفو لأنّها مقيّدة بمشيّة الخلود أو عدم مشيّة العفو وهو ظاهر. هذا والآية وان خلت عن ذكر القصاص في قتل المؤمن عمدا إلّا أنّه مراد قطعا كما دلّ عليه ظاهرها ولعلّ الاكتفاء لمعلوميّته.
السادسة
(وَما كانَ) وما صحّ وما جاز (لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) بغير حقّ (إِلَّا خَطَأً) قال في الكشاف : انتصاب خطا على انّه مفعول له اى ما ينبغي له أن يقتله لعلّة من العلل إلّا للخطاء وحده ويجوز أن يكون حالا بمعنى لا تفعله في حال من الأحوال إلّا في حال الخطاء ، وأن يكون صفة للمصدر أي إلّا قتلا خطاء والمعنى أن من شأن المؤمن أن ينتفى عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتّة إلّا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمي الكافر فيصيب مسلما أو يرمي شخصا على انّه كافر فإذا هو مسلم.
وظاهر هذا الكلام أنّ الاستثناء متّصل ولا يرد عليه ما قيل : انّ اتّصال الاستثناء هنا يؤدّى الى الاذن بقتله خطاء وكيف يأذن الشّارع فيه؟ لانّ المعنى على ما ذكره في الكشاف هو : أنه لا يثبت ولا يوجد ولا يتحقّق من المؤمن قتل المؤمن إلّا في حال الخطاء من غير قصد كان يرمى كافرا إلخ فإنّه حينئذ يتحقّق منه ويوجد وهذا لا يستلزم ما ذكره.
وذهب الطّبرسيّ في مجمع البيان الى أنّ الاستثناء منقطع والكلام تمّ عند قوله : أن يقتل مؤمنا ثمّ قال : لكن ان كان القتل خطأ فحكمه كذا قال : وانّما لم يحمل قوله : الّا خطاء على حقيقة الاستثناء لانّ ذلك يؤدّى الى الأمر بقتل الخطاء أو اباحته ولا يجوز واحد منهما. وفيه نظر يعلم ممّا قلناه.