بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحقّ والأمر بهما والنهي عن أضدادهما. وقال عند قوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ما يدل على منع أبي حنيفة من قبول الدّعوة من حكام الجور ولو على أمر مشروع.
وممّا ينبّه على فساد ذلك أنّ حكام الجور كثيرون فقد يختلفون فلا يعلم متابعة أيّهم تجب ، ولانّه يجب على الرّعيّة منعهم إذا ارتكبوا منكرا وتركوا معروفا من باب الحسبة فكيف تجب إطاعتهم.
ولو قيل : انّما تجب إطاعتهم لو أمروا بالعدل وكانوا على الحقّ لا مطلقا لقلنا : ظاهر انّه تعالى لا يأمر بإطاعة من يكون جائرا على غير الحقّ وان كان ما يأمر به في مادّة خاصّة موافق للحق والعدل لعدم وقع من هذا حاله في النّفوس حتّى ينقاد إلى أمره وهو ممّا ينافي الحكمة من الأمر بالاتباع ولأنّه إذا كان المأمور به حقّا فلا خصوصيّة له بهم بل هو واجب في نفسه.
والّذي رواه أصحابنا عن الباقر والصّادق عليهماالسلام انّ المراد بأولى الأمر هنا هم الأئمّة من آل محمّد عليهمالسلام أوجب الله طاعتهم على الإطلاق كما أوجب طاعته وطاعة رسوله وهذا هو المناسب لحكمته تعالى فإنه لا يجوز أن يوجب طاعة أحد على الإطلاق الّا من ثبت عصمته وعلم أنّ باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح وذلك لا يحصل في الأمراء ولا في العلماء سواهم عليهمالسلام جلّ تعالى أن يأمر بطاعة من يعصيه.
ويدلّ على ذلك انّه تعالى لم يقرن طاعة اولى الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته الا وأولوا الأمر فوق الخلق جميعا كما أنّ الرّسول فوق اولى الأمر وفوق سائر الخلق وهذه صفة أئمّة الهدى من آل محمّد صلوات الله عليهم الّذين ثبتت إمامتهم وأمانتهم وعصمتها واتّفقت الأمّة على علوّ مرتبتهم.
(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) فان اختلفتم في شيء من أمور دينكم (فَرُدُّوهُ) اى المتنازع فيه (إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) والمخاطب بهذا الخطاب هو المخاطب بالإطاعة أعنى الرّعيّة كما يقتضيه نظم الكلام ولعلّ عدم ذكر اولى الأمر هنا نظرا الى أنّ الرّدّ إليهم في الحقيقة