الغلامُ لوجهِه فقالَ : يا عمّاه! فجلّى (١) الحسينُ عليهالسلام كما يُجلِّي الصّقرُثمّ شدَّ شدّةَ ليثٍ أُغْضِبَ ، فضربَ عُمَرَبنَ سعيدِ بني نُفيلٍ بالسّيفِ فاتّقاها بالسّاعدِ فأطنَّها (٢) من لَدُنِ المِرفقِ ، فصاحَ صيحة سمعَها أهلُ العسكرِ ، ثمّ تنحّى عنه الحسينُ عليهالسلام. وحملتْ خيلُ الكوفةِ لتسنقِذَهُ فتوطّأتْه بأرجُلِها حتّى ماتَ.
وانجلتِ الغبرةُ فرأيتُ الحسينَ عليهالسلام قائماً على رأْس الغلامِ وهو يَفحصُ برجلِه والحسينُ يَقولُ : «بعْداً لقومٍ قتلوكَ ومَنْ خَصْمُهُم يومَ القيامةِ فيكَ جدُّكَ» ثمّ قالَ : «عَزَّ ـ واللّهِ ـ على عمِّكَ أن تدعوَه فلا يجيبكَ ، أو يجيبكَ فلا ينفعكَ ، صوتٌ ـ واللّهِ ـ كثرَ واتروه وقلَّ ناصروه» ثمّ حملَه على صدرِه ، فكأنِّي أنظرُ إِلى رِجْلَيِ الغلام تخطّانِ الأرضَ ، فجاءَ به حتّى ألقاه معَ ابنهِ عليِّ بنِ الحسينَِ والقتلى من أهلِ بيتهِ ، فسألْتُ عنه فقيلَ لي : هوالقاسمُ ابنُ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ عليهمالسلام.
ثمّ جلسَ الحسينُ عليهالسلام أمامَ الفُسطاطِ فاُتِيَ بابنِه عبدِاللهِ ابن الحسينِ وهو طفلٌ فأجلسَه في حجرِه ، فرماه رجلٌ من بني أسد بسهمٍ فذبحَه ، فتلقّى الحسينُ عليهالسلام دمَه ، فلمّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرضِ ثمّ قالَ : «رَبّ إِن تكنْ حبستَ عنّا النّصرَمنَ السّماءِ ، فاجعلْ ذلكَ لما هوخيرٌ ، وانتقِمْ لنا من هؤلاءِ القوم الظّالمينَ» ثمّ حملَه حتّى وضعَه معَ قتلى أهلِه.
__________________
(١) جلّى ببصره : اذا رمى به كما ينظر الصقر الى الصيد. «الصحاح ـ جلا ـ ٦ : ٢٣٠٥».
(٢) في «م» وهامش «ش» : فقطعها.