لذلك ودَعا مَسْرُوراً الخادمَ فقالَ له : اُخْرُجْ على البريدِ (١) في هذا الوقتِ إِلى بغداد ، وادْخُلْ من فَوْرك على موسى بن جعفر ، فإِنْ وَجَدْتَه في دَعَةٍ ورَفاهيةٍ فأَوْصِلْ هذا الكتابَ إِلى العبّاسِ بن محمّد ومُرْهُ بامْتِثالِ ما فيه. وسَلَّمَ إليه كتاباً آخرَ إِلى السِنْدي بن شاهَك يَأْمُرُه فيه بطاعةِ العباس بن محمد.
فقَدِمَ مَسْرُورٌ فَنَزَلَ دارَ الفضل بن يحيى لا يَدْري أَحَدُ ما يُريد ، ثَم دَخَلَ على موسى بن جعفر عليهالسلام فَوَجَدَه على ما بَلَغَ الرَّشيدَ ، فَمضَى مِنْ فَوْرِه الى العبّاس بن محمّد والسنديّ بن شاهَكَ فَأَوْصَلَ الْكتابَيْنِ إِليْهِما ، فلم يَلْبث الناسُ أَنْ خَرَجَ الرسُولُ يَرْكُضُ إِلى الفضل بن يحيى ، فَرَكِبَ معه وخَرَجَ مَشْدُوهاً دَهِشاً حتى دَخَلَ على العباس بن محمد ، فدَعا العباسُ بِسِياط وعقَابَينِ (٢) وأَمَرَ بالْفَضْل فجُرِّدَ وضرَبَه السِندي بين يَدَيْه مائةَ سَوْطٍ ، وخَرَجَ مُتَغَيِّرَ اللوْنِ خِلافَ ما دَخَلَ ، وجَعَلَ يُسلِّمُ على النّاس يَميناً وشِمالاً.
وكَتَبَ مَسْرُورٌ بالخبرِ إِلى الرشيدِ ، فأمَرَ بتسليم موسى عليهالسلام إِلى السِنديّ بن شاهَكَ ، وجَلَسَ الرَّشيدُ مَجْلِساً حافِلاً وقالَ : أَيُّها النّاسُ ، إِنّ الفضلَ بن يحيى قد عَصاني وخالَفَ طاعَتي ، ورأَيْتُ أَنْ أَلعَنَه فالْعنُوه لَعَنَه اللهُّ. فَلَعَنَه النّاسُ مِنَ كُلِّ ناحيةٍ ، حتى ارتجَّ البَيْتُ والدارُ بلَعْنِهِ.
وبَلَغَ يحيى بن خالد الخَبَرُ ، فَركِبَ إِلى الرشيدِ فَدَخَلَ من غَيْر
__________________
(١) في هامش «ش» : حُمل فلان على البريد ، وخرج على البريد: اذا كان رُتّب له في كل مرحلة مركوب فينزل عن المعييٌ الوجع ويركب القارّ المتودع ، وكذا في جمع المنازل.
(٢) في هامش «ش» : العقابان : آلة من آلات العقوبة لها طرفان اذا شال احدهما نزل الآخر وبالعكس حتى تأتيا على روحه.