عيسى الأشعريّ يجيء في السَحَر من اخِرِ كلِّ ليلة ليَتَعَرَّفَ خَبَرَعِلّةِ أَبي جعفر عليهالسلام ، وكانَ الرسولُ الذي يَخْتَلِفُ بين أَبي جعفر وبين الخيراني إذا حَضَرَ قامَ أَحمدُ وخَلا به.
قالَ الخيراني : فَخَرَجَ ذاتَ ليلة وقامَ أحمدُ بن محمّد بن عيسى عن المَجْلِس ، وخَلا بي الرسول ، واسْتَدارَ أحمدُ فوَقَفَ حيثُ يَسْمَعُ الكلامَ ، فقالَ الرسول : إِنَّ مولاك يَقْرَأُ عليك السلامَ ، ويَقُولُ لك : «إِنّي ماضٍ ، والأمْرُ صائِرٌ إلى اِبني عليٍّ ، وله عليكم بعدي ما كانَ لي عليكم بعدَ أَبي ».
ثم مَض الرسولُ ورَجَعَ أحمدُ إِلى مَوْضِعهِ ، فقالَ لي : ما الَّذي قالَ لك؟ قُلْتُ : خَيْراً ، قالَ : قد سَمِعْتُ ما قالَ ، وأَعادَ عليٌ ما سَمِعَ ، فقُلْتُ له : قد حَرَّمَ اللهُّ عليك ما فَعَلْتَ ، لأنَّ اللهَّ تعالى يقولُ : ( وَلاَ تَجَسَّسُوا ) (١) فإِذا سَمِعْتَ فاحْفَظِ الشهادةَ لَعَلَّنا نَحْتاجُ إِليها يوماً ما ، وايّاك أَنْ تُظهِرَها إِلى وقتها.
قالَ : وأَصْبَحْتُ وكَتَبْتُ نُسّخةَ الرسالة في عَشْر رِقاع ، وخَتَمْتُها ودَفَعُتُها إِلى عَشرة من وُجوه أَصحابنا ، وقُلْتُ : إِن حَدَث بي حَدَثُ الموت قَبْلَ أَنْ أطالِبكم بها فافْتَحُوها وَاعْمَلوا بما فيها.
فلمّا مَضى أبو جعفر عليهالسلام لَمْ أَخْرُجْ من مَنْزلي حتى عَرَفْتُ أَنّ رؤساء العصابة قد اجْتَمَعوا عند محمّد بن الفرَج (٢) ، يتفاوَضون في الأمْرِ. وكَتَبَ إلَيَّ محمّدُ بن الفَرج يُعْلِمُني باجْتماعِهم عندَه ويقولُ :
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ١٢.
(٢) هو محمد بن الفَرج الرُخجي من اصحاب الرضا والجواد والهادي عليهمالسلام.