وذَكَرَ (الحسينُ بن الفضل ) (١) قالَ : وَرَدْتُ العراقَ وعَمِلْتُ على ألاّ أخْرُجَ إلاّ عن بيِّنةٍ من أمْري ونجاحٍ من حوائجي ، ولو احْتَجْتُ أنْ أقيمَ بها حتى أتصدَّقَ (٢) ، قالَ : وفي خلالِ ذلك يضيقُ صَدْري بالمُقام ، وأخافُ أن يَفُوتَني الحجُّ. قالَ : فجئْتُ يوماً إِلى محمد بن أحمدَ ـ وكانَ السفَيرَ يومئذٍ ـ أتقاضاه فقالَ لي : صِرْ الى مسجد كذا وكذا ، فإنٌه يَلْقاك رجلٌ ، قالَ : فصِرْتُ إليه ، فدَخَلَ عَلَيَّ رجلٌ ، فلمّا نَظَرَ إِلَيَّ ضَحِكَ وقالَ لي : لا تَغْتَمّ ، فإنَّك ستحجُّ في هذهِ السنةِ وتنصرِفْ إِلى أهلِك وولدِك سالماً قالَ : فأَطْمَأنَنْتُ وسَكَنَ قَلْبيث وقُلْتُ : هذا مصداقُ ذلك.
قالَ : ثم وَرَدْتُ العسكر (٣) فخَرَجَتْ إِلَيَّ صرةٌ فيها دنانير وثوبُ ، فاغْتَمَمْتُ وقُلْتُ في نفسي : جَدّي (٤) عند القومِ هذا! واسْتَعْمَلْتُ الجهْلَ فرَدَدْتُها ، ثم نَدِمْتُ بعد ذلك ندامةً شديدةً وقُلتُ في نفسي: كَفَرْتُ بردّي على مولاي ، وكَتَبْتُ رقعةً أعتذرُ من فعلي وأبوُءُ بالإثم وأسْتَغْفِرُ من زَلَلي وأنفَذْتُها ، وقُمتُ أتَطَهَّرُ للصلاةِ وأنا إذ ذاك أُفكّرُ في نفسي وأقولُ : إِن رُدَّتْ عَلَيَّ الدنانيرُلم أحللْ شَدَّها ، ولم أُحْدِثْ فيها شيئاً حتى أحْمِلها إِلى أبي فإِنَّه أعْلَمُ منَّي. فخرج إِلَيَّ الرسولُ الذىِ حملَ الصرٌة وقالَ : قيلَ لي : «أسَأتَ إِذ لم تُعْلم الرجلَ ، إِنّا ربمّا فَعَلْنَا ذلك بموالينا ابتداءً ، ورُّبما سَألونا ذلك يَتَبَركَون به » وخَرَجَ إِلَيَّ : «أخْطَاْتَ في ردِّك برِّنا ،
__________________
(١) كذا في «م» و «ح » وهامش «ش» ، وفي متن «ش» : الحسين بن المفضّل ، وقد مرٌ ما يتعلق به آنفاً.
(٢) تصدق : من الأضداد ، يقال : قد تصدق الرجل اذا أعطى ، وقد تصدق إذا سأل ، والمراد هنا الثاني. انظر « الاضداد للانباري : ١٧٩ ».
(٣) العسكر: مدينة سامراء في العراق.
(٤) في هامش «ش» و «م» : جَدّي : أي حظي ونصيبي كأنه استصغره.