استرشدت الله تعالى وسألته : ما وجه المصلحة في ذلك" (١).
* وقف المجاشعي عند قراءة الجماعة (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] ، وردّ رأي من قال : إنّ (إنّ) بمنزلة (نعم) في هذه القراءة. فقال : " وهذا القول لا يصح عندنا لأمرين :
أحدهما : أنها إذا كانت بمعنى (نعم) ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، وقد تقدم أن (اللام) لا تدخل على خبر مبتدأ جاء على أصله (٢).
والثاني : أنّ أبا علي الفارسي (٣) قال : ما قبل (إنّ) لا يقتضي أن يكون جوابه (نعم) ؛ لأنّك إن جعلته جوابا لقوله : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) [طه : ٦٢] قالوا : نعم هذان لساحران كان محالا أيضا ...
وقيل : لمّا كانت (إنّ) مشبهة بالفعل ، وليست بأصل في العمل ألغيت هاهنا ، كما تلغى إذا خففت ، وهذا قول علي بن عيسى الرماني (٤) ، وهو غير صحيح ؛ لأنّها لم تلغ مشددة في غير هذا الموضع ، وأيضا فإنّها قد أعملت مخففة نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١].
في قراءة من قرأ كذلك (٥) ؛ لأنها إنما عملت لشبهها بالفعل كما ذكره (٦) والفعل قد يعمل وهو محذوف ، نحو : لم يك زيد قائما ، ولم يخش عبد الله أحدا وما أشبه بذلك ، وقد أعمل اسم الفاعل والمصدر لشبهها بالفعل ، ولا يجوز إلغاؤهما ، وأيضا فإن (اللام) تمنع من هذا التأويل ؛ لأنّ (إن) إذا ألغيت ارتفع ما بعدها بالابتداء و (اللام) لا تدخل على خبر المبتدأ كما قدمناه.
وقيل : (هذانِ) في موضع نصب إلا أنه مبني لأنه حمل على الواحد والجمع وهما مبنيان ، نحو : هذا وهؤلاء (٧) ، وهذا أيضا غير صحيح ؛ لأنّه لا يعرف في غير هذا المكان ؛ ولأنّ
__________________
(١) النكت في القرآن : ٣٨ ، وينظر في هذه المسألة : معاني القرآن للأخفش : ١ / ٥٦ ، ومعاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٠٢.
(٢) هذا قول الرماني في معاني الحروف : ١١٢.
(٣) ينظر الحجة لأبي علي الفارسي : ٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.
(٤) القائل بإلغاء (إنّ) الفارقي في الإفصاح : ٣٠٧ ، أمّا الرماني فقد رجّح أن تكون لغة بلحارث بن كعب. ينظر معاني الحروف : ١١١ ، والحجة لابن خالويه : ٢٤٣.
(٥) قرأ بالتخفيف مع الإعمال ابن كثير ونافع ، ينظر : السبعة : ٣٣٩.
(٦) أي الرماني في معاني الحروف : ١١٠.
(٧) نقل هذا القول مكي في مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٤٦٧ دون أن يعزوه لأحد ، وأمّا ابن برهان في شرح اللمع : ١ / ٣٢٢ فنسبه إلى أبي علي الفارسي.