التثنية لا تختلف ولا تأتي إلا على طريقة واحدة ، والواحد والجمع يختلفان ، فجاز فيهما البناء ولم يجز في التثنية ؛ لأنّ فيها دليل الإعراب وهو (الألف) ومحال أن تكون الكلمة مبنية معربة في حال.
وقيل : هذه الألف ليست بألف تثنية ، وإنّما هي ألف (هذا) زيدت عليها النون ، وهذا قول الفراء (١) ، وهو أيضا غير صحيح ؛ لأنّه لا تكون تثنية ولا علما للتثنية فيها ، فإن قيل :
النون علم التثنية ، قيل : النون لا يصح أن تكون علم التثنية لأنها لم تأت في غير هذا الموضع كذلك ، ألا ترى أنها تسقط في نحو قولك ؛ غلاما زيد ، فلو كانت علم التثنية لم يجز حذفها ، وإنما النون في قولك (هذان) عوض من الألف المحذوفة هذا قول السيرافي (٢) ، وقال أبو الفتح (٣) : هذه النون دخلت في المبهم لشبهه بالتمكن وذلك لأنّه يوصف ويوصف به ويصغر ، فأشبه المتمكن من هذه الطريقة ، ألا ترى أنّ المضمر لمّا بعد من المتمكن لم يوصف ولم يوصف به ولم يصغر.
وقال الزجاج : في الكلام حذف ، والتقدير : إنه هذان لهما ساحران (٤) ، فحذف (الهاء) فصار : إن هذان لهما ساحران ، ثم حذف المبتدأ الذي هو (هما) فاتصلت اللام بقوله : (لَساحِرانِ) فصار : إنّ هذان لساحران ، ف : (لَساحِرانِ) على هذا القول خبر مبتدأ محذوف وذلك المبتدأ مع خبره خبر عن (هذانِ) و (هذانِ) مع خبره خبر (إنّ) ، وقد ذكرنا ما في حذف (الهاء) من القبح ، وأنه من ضرورة الشعر ، وأما ما ذكره من إضمار المبتدأ تخيلا للام فتعسف لا يعرف له نظير" (٥).
في قوله تعالى : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢] ، تساءل المجاشعي عن (الواو) الذي يسمّيها العلماء (واو الثمانية) ، فقال : " وأما من يقول (٦) هي واو الثمانية ، ويستدل بذلك على أن للجنة ثمانية أبواب ، لقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧١] ، فشيء لا يعرفه النحويون ، وإنما هو من قول بعض المفسرين.
__________________
(١) معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٨٤.
(٢) في هامش الكتاب : ١ / ٥.
(٣) سر صناعة الإعراب : ٢ / ٤٦٦.
(٤) نسب هذا القول إلى الزجاج النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٣٤٦.
(٥) النكت في القرآن : ٢٧٩ ـ ٢٨٢.
(٦) ينظر معاني الحروف : ٦٤ ، ومعالم التنزيل : ٥ / ١٦١.