فالمؤلف ـ جدلا ـ هو قوام السنّة أي : أنه عالم محدث إمام من أئمة الحديث في المشرق وله رحلة سماع إلى أصبهان وبغداد ونيسابور والري ولا ينتظر إذا أسند خبرا أو أثرا أن يسنده إلا عن هؤلاء المشيخة الذين لقيهم في هذه الجهات ، أمّا أن يأتي الأمر على النقيض فنجده ـ وهو مشرقي ـ لا يروي في هذا الكتاب كله عن مشرقي واحد من أهل تلك الجهات فهذا شيء غريب الحدوث لا يجوز التغاضي عنه. ومن شيوخ المؤلف :
أولا : أبو الحسن الحوفي (ت ٤٣٠ ه). وقد أسند عنه في الكتاب في أربعة مواضع (١).
فقد ترجم له سائر أهل طبقات من النحويين واللغويين (٢) ، وذكروا له تصنيفا كبيرا في" إعراب القرآن" أبدع فيه بتنافسه العلماء في تحصيله ..
فهذا الإمام الفذ هو من أجلّ شيوخ المؤلف ، وأثره جليّ واضح في تحرير المسائل النّحوية واللغوية ، إذ نجده يرجح مذاهب البصريين ويعبر عن أصحاب هذا الاتجاه كما فعل المجاشعي بمثل هذه العبارات في الكتاب : " وذهب المحققون من أصحابنا" ، " فإن أصحابنا لا يجيزون ذلك" ، " ولا يجيز هذا حذاق أصحابنا" ، " وخطأه علماؤنا في ذلك" (٣).
فأين هذا التّمذهب من اهتمام قوام السنّة لو كان هو مؤلف الكتاب؟ وما علاقته بأبي الحسن الحوفي وجماعته من البصريين في مذاهبهم النحوية.
ثانيا : أما شيخه الثاني في الكتاب فهو : أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني المقرئ ، نزيل قرطبة ، قاعدة بلاد الأندلس المتوفى بها سنة (٤٣٧ ه) (٤). وللمؤلف عنه في كتابه روايتان :
الأولى : عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠] فقد قال في سياق الحديث عن ألف الاستفهام : " وسمعت أبا محمد مكي بن أبي طالب ـ بعض شيوخنا ـ يقول : الاستفهام فيه معنى الإنكار ، ولا يجب أن تحمل الألف عليه ، وكان يسميها ألف التعجب ، كأن
__________________
(١) النكت في القرآن : ١٦ ، و ٧٠ ، و ٧١ ، و ٤٢٦.
(٢) ينظر ترجمته في إنباه الرواة : ٢ / ٢١٩.
(٣) ينظر البرهان في إعراب القرآن (للحوفي) : ق ٢ ، و ٩ ، و ١٠ ، وإعراب القرآن لأبي طاهر : ٢٠٢ ، و ٢١٢ ، و ٢٢٨. والنكت في القرآن : ١٣ ، و ١٨٠ ، و ٢٣١ ، و ٤٤٤.
(٤) ينظر ترجمته في : غاية النهاية : ٢ / ٣٠٩ ـ ٣١٠.