الملائكة تعجبت من ذلك ، وأمّا أنا فأرى أنها ألف استرشاد .." (١).
فهذه الرواية في هذا السياق تدل على أن المؤلف من الآخذين مباشرة عن أبي محمد مكي بن أبي طالب ، دون وجوب وسيط في الرواية بينهما ، كما أن قوله حكاية لقول مكي : " وكان يسميها" يدل على أنه متمرس بكلام شيخه ، طويل الصحبة له والتدبر لكلامه عارف به تمام المعرفة.
والأخرى : عند قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] وقد ساقها المؤلف هكذا : " وقرأ ابن عباس ـ فيما حدثني أبو محمد مكي بن أبي طالب المقرئ ـ وما يعلم تأويله إلا الله ، ويقول الراسخون في العلم يقولون آمنا به" (٢).
فهذه الرواية كما نرى صريحة في سماع المؤلف عن أبي محمد مكي لا تحتمل إلّا ذلك ، لقوله : " فيما حدثني" ، والتحديث عند علماء الرواية من أعلى مراتب التحمل عن الشيخ ، فلا يحمل إلا على السماع.
قال الإمام بدر الدين بن جماعة (٣) : قال الخطيب : أرفع العبارات : " سمعت" ثم" أخبرنا" وهو كثير في استعمال الحفاظ في ذلك قبل أن يشيع تخصيصه بما قرئ على الشيخ ، ثم" أنبأنا" وهو قليل في الاستعمال .. قال : وقيل : " حدثنا" و" أخبرنا" أرفع من" سمعت" لدلالتها على أن الشيخ روّاه الحديث بخلاف" سمعت".
وبهذا يتبين أن المؤلف تلميذ مباشر بالسماع عن مكي ، وهذا كله لا ينطبق وحال قوام السّنة.
ثالثا : أمّا الشيخ الثالث من المذكورين من شيوخه في الكتاب فهو أبو محمد عبد الله ابن الوليد (ت ٤٤٨ ه) (٤).
إنّ القول برواية قوام السنّة عن أبي محمد بن الوليد سيفضي إلى القول بدخوله مصر ، وكونه عاش بعد شيخه المروي عنه في السند قرابة سبعة وثمانين عاما ، وذلك لو صح يجعل طريق قوام السنّة عن ابن الوليد في رواية كتاب السيرة في زمنه أعلى طريق في
__________________
(١) النكت في القرآن : ٣٨.
(٢) النكت في القرآن : ٩٥.
(٣) المنهل الروي : ٨٠.
(٤) النكت في القرآن : ٤٧٩ ، وينظر ترجمته في : الصلة : ١ / ٢٦٧.