هذا كلّه على تسليم انّ المراد من البيت هو البيت المبني من الأحجار والآجر والأخشاب ، فقد عرفت أنّ المتعيّن حمله على بيت خاص معهود ولا يصح إلاّ حمله على بيت فاطمة ، إذ ليس هناك بيت خاص صالح لحمل الآية عليه.
وأمّا لو قلنا بأنّ البيت قد يطلق ويراد منه تارة هذا النسق ، كما في قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) ، وأُخرى غير هذا النمط من البيت ، مثل قول القائل : « بيت النبوة » و « بيت الوحي » تشبيهاً لهما على المحسوس ، فلا محيص أن يراد منه المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصة على وجه يصح مع ملاحظتها ، عدّهم أهلاً لذلك البيت ، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر ، ولا يشمل كل من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب فحسب ، وفي الوقت نفسه يفتقد الأواصر المعنوية الخاصة ، ولقد تفطّن العلاّمة الزمخشري صاحب التفسير لهذه النكتة ، فهو يقول في تفسير قوله تعالى : ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ١ ، لأنّها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأُمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة ، وان تسبح الله وتمجّده مكان التعجب ، وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولها : ( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ) أرادوا انّ هذه وأمثالها ممّا يكرمكم به رب العزة ، ويخصّكم بالأنعام به يا أهل بيت النبوة. ٢
وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكل المنتسبين عن طريق الأواصر الجسمانية لبيت خاص حتى بيت فاطمة ، إلاّ أن تكون هناك الوشائج المشار
__________________
١. هود : ٧٣.
٢. الكشاف : ٢ / ١٠٧.