إلى إيضاح ، فنقول :
إنّ مشكلة الجبر تنحل بالتعرّف على كيفية تعلّق إرادته سبحانه بأفعال العباد ، والإمعان في هذا الموضوع يكفي لحل بعض المشاكل المطروحة في مسألة الجبر والاختيار.
وبعبارة أُخرى : هل تعلّقت إرادته سبحانه بصدور أفعال العباد عنهم باختيارهم وإرادتهم ، أم تعلّقت بصدورها منهم مطلقاً وإن لم تكن مسبوقة باختيارهم وإرادتهم ، فالجبر لازم القول الثاني ، والاختيار نتيجة القول الأوّل ، والحق هو القول الأوّل فنقول في توضيحه :
إنَّ لازم التوحيد في الفاعلية والخالقية ـ كما هو منصوص الآيات ومقتضى البراهين ـ هو انّ كل ما يقع في صفحة الوجود سواء كان فعلاً للعباد أم لغيرهم لا يخرج عن إطار الإرادة التكوينية لله سبحانه ، ولا يقع شيء في الكون إلاّ بإرادته وإذنه سبحانه ، قال تعالى : ( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ ) ١ ، وهذه الآية وغيرها تدلّ بصراحة على أنّ أفعال العباد حلالها وحرامها غير خارجة عن إطار الإرادة التكوينية لله وإلاّ لزم أن يكون الإنسان أو الفواعل الأُخر مستقلة في الفعل والتأثير ، وهو يستلزم الاستقلال في الذات ، وهو عين الشرك ونفي التوحيد في الأفعال والخالقية.
ومع ذلك فليس العباد مجبورين في أفعالهم وتصرفاتهم ، لأنّ إرادته سبحانه وإن تعلّقت بأفعالهم لكن إرادته سبحانه متعلّقة بأفعالهم بتوسط إرادتهم الخاصة وفي طول مشيئتهم ، وبذلك صح أن يقال لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين.
__________________
١. الحشر : ٥.